لماذا نخجل من التأريخ؟..
ونخشى الحقيقة؟..
لماذا لا نتعامل مع الأحداث كحقائق مجردة؟..
لماذا لا ننظر إلى التأريخ على أنه أوراق تطوى صفحة تلو أخرى ويوم بعد آخر بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات، ونتعامل مع الحاضر على أنه هو الواقع الذي يجب أن نعيشه؟..
أسئلة كثيرة تزاحمت في ذهني وتتسابق للطرح، وأنا أشاهد الطرح الإعلامي هذه الأيام وأتابعه في كثير من القضايا والأحداث التأريخية.
لماذا تبهرنا الأرقام وتجذبنا الألقاب؟.. بل ونسعى للبحث عنها ولإضفاء الشرعية عليها ومحاولة إقصاء الآخرين عنها ونبذها منهم والتفرد بها والتقليل من أحقية الآخرين لها وتحويرها في بعض الأحيان تحقيراً لهم واستهزاءً بهم؟..
ولم يعد الأمر مقتصراً على جماهير المدرجات ووقت المباريات أو في الاستراحات والجلسات الخاصة مما يمكن إدراجه تحت طبيعة هذه الجماهير وأساليب تشجيعها وتنافسها، لكنها انتقلت إلى المنتديات والمواقع الرسمية لتؤسس ثقافة جديدة لدى الجماهير الرياضية أو تكاد مما يسهم في تكريس التعصب الرياضي وتوسيع مداه.
نتابع الأحداث العالمية ونقرأ التأريخ الرياضي وسيرة النجوم، نلمس بعض التعصب هناك وننبذه، لكننا لا نلحظ تشويهاً للتأريخ أو اعتداءً على الحقوق.
نرى نقاشاً حضارياً وقضايا تصل المحاكم وقرارات تنتهي جميعها بقبول النتائج وإن لم تكن مقنعة والقبول يعني التسليم وعدم الخوض فيه من جديد.
لا يعيب ذلك النجم أنه كان ذات يوم ماسح أحذية، وأن يذكر ذلك في مذكراته وسيرته الذاتية.
ولا يهم ذلك النادي أن هبط ذات مرة إلى الدرجات الأدنى، لأنه ثبت تلاعبه بالنتائج ولم يحاول تبريرها أو طمسها والحديث عن مؤامرة أو التشكيك فيها بقدر ما اعتبرها من التأريخ.
لا يستعيب ذلك النادي أنه خسر ذات يوم من جاره اللدود بنتيجة كبيرة ويتمنى لو مسحت من سجلات التأريخ ولا المنتصر يعيره بذلك ويكررها في كل مناسبة.
لم يحاول برشلونة أو يفكر بالتشويش أو التأثير على غريمه التقليدي ريال مدريد، وعدم أحقيته بلقب (الملكي) والبحث عن مبررات حتى لو لم تتسم مع الواقع لسحب اللقب منه ونعت نفسه به.
لا يخجل ذلك النادي أو غيره ولا يتردد أن يذكر في تأريخه أنه كان ذات يوم من أندية الدرجة الثانية أو الثالثة أو تأرجح بين الصعود والهبوط، لأنه يؤمن بالحاضر، بل إن القدوم من وراء الصفوف والوقوف بجدارة في الصفوف الأمامية ومقارعة الأبطال هو مصدر فخر.
وحدنا فقط المثاليون
نريد لنادينا المفضل أن يكون بطلاً دائماً حتى على الورق وأنه بدأ من القمة ومسيرته مثالية طوال تأريخه.
ونريد للاعبنا المفضل أن يولد نجماً وهو وحده (الأسطورة)، وأن اللقب ملك له، لا ينازعه عليه أحد، ولولا أن الأرقام هي التي تحدد لقب الهداف لأصبح عدد هدافي الدوري أكثر من أهدافه.
لا نكتفي بذلك، بل نقلل من إنجازات الآخرين ونسعى لتهميشها والتقليل من أهميتها حتى بعض الحقائق عندما تبرز نبحث عن مبررات لتغييرها بما يتماشى ورغباتنا.
نريد أن نكون ملائكة، وننسى أننا بشر، ثم نتذكر أننا بشر فنتنازع على كل شيء، حتى على مصادرة الآخرين حقوقهم.
والله من وراء القصد،،،