قبل أحد عشرعقداً ونيفاً وهو يحط رحاله مع أربعين من رجالاته في (هدوء يسبق العاصفة).. لم يكن (عبدالعزيز) في تلك اللحظة يبكي على حكم ضاع بقدر ماكان يسعى لاستعادته بهمم الرجال.
ولم يدر في خلده آنذاك أنه يضع اللبنات الأولى لبناء دولة حديثة ويرسم ملامح أعظم وحدة في هذا العصربما تمثله من طبيعة ديموغرافية كما شهد بذلك المستشرقون وواضعو التأريخ المعاصر.
وعلى مدى ثلاثة عقود قاد الجيوش على أرض المعركة في حروب ظاهرها بسط النفوذ وباطنها بناء الإنسان، حتى إذا دانت له الأرض بما رحبت وأقرت بعزيمته الرجال واعترفت بحكمه الدول انتفل من فكرالتخطيط العسكري وقيادة الحروب من غرف العمليات إلى فكرالدولة الحديثة وقيادتها على أرض الواقع من خلف المكاتب وعلى ميادين العمل ليقود حربا جديدة ضد ثالوث الفقروالجهل والمرض.
أكثر من ثمانية عقود كانت خلالها المملكة في سباق ماراثوني مع الزمن تتسارع خطواته وفق ظروف المرحلة وما تتطلبه طبيعة السباق، حتى أصبحت في مقدمة الركب دولة عصرية حديثة ..
وطن أمن وأمان .. ومبعث اطمئنان
شامخا بعطائه ..
عزيزا بأبنائه ..
ساميا بقيادته ..
تتبدل القيادات ..
وتختلف الظروف ..
وتتغير طبيعة المرحلة ..
لكن السفينة ترسو في برالأمان في كل مرة تهب فيها رياح عاتية أو تتلاطم فيها أمواج البحربفضل الله ثم بفضل القيادة الحكيمة ومهارة الربابنة الذين نهلوا من معين واحد فكرا وإدارة وسياسة.
ولأن المبحرين يثقون في مهارة القيادة ..
ولأن الجميع يؤمنون أن هدفهم واحد وأن مصيرهم واحد.
إن مايميزالمملكة العربية السعودية عن غيرها من الدول عنصران أساسيان :
ــ إن دستورها لم يكتبه بشرولم يتعب القانونيون في صياغته وإعداده ومراجعته، ولذا فهو(لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)، وهو الأساس الذي تستمد منه قوانينها ولوائحها التنظيمية.
ــ إذا كانت الدول تحتفي بيومها الوطني لذاتها فإن المملكة ربما كانت الدولة الوحيدة في العالم التي يحتفي معها هذا العالم بيومها الوطني ويدعم وحدتها ويسعى للحفاظ عليها.
ــ فقد جعل الله أفئدة من الناس تهوي إليها طلبا للرزق، ومئات الملايين من الوجوه تتولى شطرها كل يوم وعشراتها تطأ أرضها كل عام تقربا إلى الله وزلفى .. بعد أن شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين والحفاظ عليهما ورعايتهما مثابة للناس وأمنا.
وعلى صعيد آخر ..
احتلت موقعا هاما على خريطة العالم السياسي ورقما هاما ومؤثرا في الاقتصاد العالمي يرقب العالم تحركاته وتأثيراته.
وأصبحت ذات صوت عال وقوي يدعو إلى السلام ويسعى إليه، ولم يكن غريبا أن تكون مقصد الساسة وصناع القرارفي كثيرمن قضايا العالم المعاصر.
ولهذا أصبحت المملكة بيت العرب .. وقبلة المسلمين .. ومقصد العالم أجمع.
حفظ الله لنا قيادتنا ..
وحفظ لنا وطننا ..
وقبل هذا كله حفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ومبعث أمننا واستقرارنا.
والله من وراء القصد.