يقول الخبر: إن نقابة الفنانين المصريين تدرس إنتاج فيلم ضخم يتحدث عن حياة النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ رداً على الفيلم المسيء الذي صدر قبل أيام وأنهم يبحثون عن تمويل لهذا المشروع. هذا الخبر جزء من ردة الفعل التي صاحبت الحدث على المستويات الفردية والجماعية من شجب واستنكار إلى قتل وتدمير ونحن بارعون في ذلك أكثر من براعتنا في صناعة الفعل. لاشك أن الإساءة للنبي جريمة لا تغتفر في شرعنا كمسلمين والدفاع عنه جزء منها بل هو الأساس لأنه مرتبط بمحبته ـ صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)، لكن ردود الفعل يجب أن تكون محكومة بتعاليم هذا الدين الذي جاء به محمد، وإذا كنا لا نتفق مع الاعتداء على الحرمات والممتلكات فقد يقبل التظاهرات والاحتجاجات السلمية وغيرها في المدن العالمية كلغة يفهمها الغرب ويؤمن بها. في 1976 صدر فيلم (الرسالة The Message) للمخرج الأمريكي السوري الأصل مصطفى العقاد (رحمه الله) وواجه قبل صدوره حملة كبرى لمنعه ليس من الغرب وإنما من دول وجهات عربية وإسلامية ووافق الأزهر بشرط ألا يظهر أي من العشرة المبشرين ثم بعدم خروج أي من الخلفاء الراشدين وواجه المخرج صعوبة في عدم إظهارهم حتى مجرد ظلهم وهم الأساس خاصة وأن حمزة بن عبدالمطلب عم النبي يقتل في بدايته ومع ذلك عالج الموضوع وصدر باللغتين العربية والإنجليزية وتم ترجمته إلى 12 لغة وظل الفيلم فترة طويلة ممنوعاً من دخول بعض الدول العربية أو العرض فيها وربما إلى الآن. أذكر أنني حضرت الفيلم في صيف 76 حيث كنت أقضي إجازتي في لندن بعد عودتي من أولمبياد مونتريال وقتها كنت في بدايتي الصحفية وطالبا في المرحلة الجامعية لم تكن بعد قد توفرت لدي الثقافة والنضج الكافيين لتحليله لكنني لمست ردود فعل إيجابية من المجتمع الغربي آنذاك تجاه الفيلم ونظرتهم للدين الإسلامي. وعودة لموضوع الساعة فحسبي أن من قام بهذا العمل انطلق من محورين: ـ كره شديد لهذا الدين وأهله وبحث عن ذاته ليحققها من خلاله. ـ إدراكه بأن ردود الفعل الإسلامية لن تتجاوز الشجب والإنكار أو الاعتداءات وهذه في صالحه سواء لتسويق الفيلم أو زيادة الإساءة لهذا الدين. لقد استغل الغرب أحداث 11 سبتمبر وغيرها للإساءة للعرب وللمسلمين ونجحوا في ذلك دون تحرك منا لتصحيح هذه المفاهيم لأننا نتحرك نحو القيادات وننسى الشعوب وهي الأهم والقمة الإسلامية تتحدث منذ مدة عن إنشاء قناة إسلامية لم تستطع أن تتحرك فيها خطوة واحدة. أنتج العقاد (الرسالة) و(عمر المختار) وكان سينتج (فتح الأندلس) و(صلاح الدين) لكن التمويل ثم القدر لم يسعفه لأنه يؤمن أن السينما والمسرح لغة يفهمها الغرب جيدا ويتعاطى معها وهي أقرب الطرق للوصول إلى عقليته. أتمنى على قمتنا الإسلامية بدلاً من أن تجتمع لإصدار شجب أو استنكار أن تجتمع لتنتج عملاً إسلامياً تخاطب من خلاله هذه الشعوب يصحح النظرة ويعطي المفهوم الحقيقي لهذا الدين. يبقى السؤال.. لو وافقوا على الإنتاج هل سيتفقون على النص؟. والله من وراء القصد.