قبل أكثر من ثلاثة عقود ونصف وقبل شهر من رمضان مبارك دخلت العمل الصحفي بعد أن فتح لي بابه أستاذي عثمان العمير على مصراعيه وأخذ بيدي ووضعني على الطريق في أيام ثلاثة غادر بعدها إلى لندن. وقتها لم يكن في القسم الرياضي بجريدة الجزيرة محررون، فعثمان المنيع كان في مهمة خارجية وعادل الجزار -رحمه الله- ويسري حمدي يقضيان الإجازة في مصر. فجأة وجدت نفسي في مواجهة الأحداث.. ورغم ركود النشاط الرياضي إلا أن شهر شعبان كان فترة الإعداد والترتيب للدورات الرمضانية للأندية، حيث تتقاسم أندية الرياض تنظيم هذه الدورات مما أسهم في توفير مادة صحفية غنية تغطي المساحة المخصصة للرياضة وهي صفحة واحدة فقط يومياً مع ما يرد من مكاتب الجريدة في المناطق الأخرى، حيث كنت أتولى إعداد المادة ووضعها على مكتب رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك لأراها في اليوم التالي على الصفحة دون تغيير. هذه الظروف ولا شك كان لها دور في صقل موهبتي ومنحي الكثير من الثقة، حيث بقيت ثلاثة أشهر انتقلت بعدها رئيساً للقسم الرياضي بجريدة الرياض ومنها كانت انطلاقتي الحقيقية وتقديمي إلى الوسط الإعلامي على يد رئيس تحريرها أستاذي الذي أدين له بكل الفضل بعد الله تركي عبدالله السديري. في تلك الفترة كنت طالباً في بداية المرحلة الجامعية لم أكن أملك وسيلة مواصلات ولم يكن جهاز الفاكس متوفراً حتى الاتصالات الهاتفية (الهاتف الثابت) لم تكن بهذه السهولة واليسر بحيث نتمكن من متابعة الأحداث من خلالها. كنا نتلقى الأخبار العالمية عن طريق وكالات الأنباء العالمية عبر(التلكس) والمحلية من خلال العمل الميداني والرسائل ولذلك برز العديد من الصحفيين الميدانيين في مختلف المجالات كنت أستخدم خط البلدة (باص مناحي) للوصول إلى الجريدة أو الذهاب للكلية وأتنقل بين أندية الهلال والشباب في شارع العصارات والنصر(الخزان) والرياض(المربع) ومكتب الوسطى (بملعب الملز) بالتاكسي الأصفر (لم نعرف الليموزين) من بعد صلاة العصر وحتى العشاء ثم أعود إلى الجريدة حاملاً أخبار هذه الدورات وأخباراً أخرى ومن ثم إعداد الصفحة وتقديمها لرئيس التحرير (كانت أجرة المشوار ريالين فقط) كان العمل مضنياً وشاقاً لكنه كان لذيذاً وشائقاً. ينتابنا الفرح ونزهو داخلياً عندما نرى نتاجنا يتصدر الصفحة حتى ولوغابت أسماؤنا عنه فظهور الاسم على الخبر كان يحتاج فترة ناهيك من كتابة زاوية أو مقالة. أتذكر أيام الإصرار والطموح والأرواح الجميلة وهي تسابق الزمن وأرى تقنية اليوم ومدى استثمارها وتطويعها كعملية نسبية عبر مسافة حضارية لا يمكن تصورها إلا لمن عاشها وعايشها. العمل الميداني هو الذي يصنع الصحفي ويقدمه للمجتمع أكثر من العمل خلف المكاتب. والله من وراء القصد.