يقول الناس إنك خنت عهدي ولم تحفظ هواي ولم تصني ..
كان هذا لسان حال بطولة الدوري وهي تخاطب “الشباب” بعد أن هجرها خمسة مواسم..
أرسلت له هذه الرسالة وهي تراه مستكينا في المركز الرابع لا يكاد يبرحه .. متضمنه سؤالا مبطنا..
أجبني إذ سألتك هل صحيح
حديث الناس؟.
إنك – أيها الشباب ــ فريق النفس القصير.. الذي لم يعتد على هذا النوع من السباقات أو يقوى على هذه المنافسة.؟.
لكن الشباب الذي ظل صامتا طوال هذه الفترة يبغي هذه البطولة ولم ينس نصيبه من بطولات أخرى .. كان يدرك في قراره نفسه كيف ومتى يصل.؟.
ظل الشباب أربعين عاما منذ تأسيسه بعيدا عن المنصات .. لا يعرف للبطولة طريقا..
عاش طفولته يلهو بألعابه..
وعاش صباه مستمتعا بحياته..
وعاش مراهقته طولا وعرضا..
وعاش شبابه متأملا يراجع ذاته..
فلما بلغ أشده وبلغ أربعين سنة فاز بأول بطولة في تاريخه فذاق طعم البطولات.. وأدرك سرها وكنهها بعد أن نضج فكره ورجح عقله.. فاعتاد عليها وأصبح ينتقيها نوعا وكما .. وزمانا ومكانا..
فاز بجميع البطولات المحلية
وتجاوزها .. إلى الخليج والعرب وآسيا..
فوضع في كل بطولة آية..
وفي كل ميدان راية..
وجمع منها 24 بطولة في 24 عاما.. بمعدل بطولة في كل عام ..
حتى إذا ما غاب عنها عاما ضاعفها في أعوام أخرى..
وعندما عاد الدوري إلى نظامه السابق بالنقاط والذي كان سائدا قبل أكثرمن عقدين من الزمن وهو ما لم يعتد عليه الشباب ويعايشه كان لابد له من وقفة تأمل ومراجعة.
كان لابد أن يعيد النظر في إستراتيجيته وتعامله مع البطولات.
لذلك ..
لم يكن بقاؤه في المركز الرابع طوال تلك الفترة نوعا من العبث والتراجع بقدر ما هي فترة تأمل ودراسة وإعداد للمستقبل.
ولذلك أيضا ..
لم يكن بقاؤه في المركز الرابع طوال تلك الفترة نوعا من العبث والتراجع بقدر ماهي فترة تأمل ودراسة وإعداد للمستقبل ..
ولهذا ..
ظل يعمل بصمت بعيدا عن الأضواء وضجيج الإعلام فاعتمد خطتين كأي مشروع يعتمد الأسلوب العلمي في التخطيط ..
إحداها..
قصيرة المدى تهدف للبقاء في دائرة الضوء والحضور في البطولات قصيرة الأجل وهو ما كان بالفعل حيث فاز بمسابقة كأس الأمير فيصل ثلاث مرات وببطولة كأس خادم الحرمين الشريفين للأندية الأبطال وهي أكبر البطولات مرة واحدة ..
والأخرى ..
طويلة المدى .. للظفر بأهم البطولات بما يتماشى مع النظام الجديد للمسابقات وهي بطولة الدوري ..
انتقى أفضل العناصر.
واستقدم أفضل الخبرات..
واختار أفضل الكفاءات..
وتعامل معها وفق مفهوم الإدارة الحديثة .. أعطاها الصلاحيات .. وأبعدهاعن الأضواء .. واعتمد الصمت شعار لها في العمل..
فكان له ما أراد..
وكان ثالث ثلاثة سيطروا على المشهد الرياضي على مدى يقارب عقدين من الزمن في بطولة تعتبر المحك الحقيقي للعطاء والمقياس الواضح للنجاح .
ولهذا..
لم يكن غريبا عليه أن يفوز ببطولة الدوري هذا الموسم..
بل الغريب لو لم يفز بها...
وهي البطولة التي تراءت له قبل أن تبدأ .. . من خلال التخطيط السليم والإعداد الجيد ..
وهي البطولة التي بدت ملامحها تظهرفي خطواته الأولى .. من خلال المستوى والنتائج ..
وهي البطولة التي لاحت له في الأفق بعد أن دنا من خط النهاية وأصبح قاب قوسين منها أو أدنى من ذلك .. .
هي البطولة التي كانت تتراءى له في فترة كان يتوقف فيها للمراجعة والتقاط والأنفاس.
هي البطولة التي أكدت حسن التخطيط و وضوح الإستراتيجية من خلال قلة الأهداف التي ولجت مرماه ..
في هذه البطولة عاش الشباب جميع مراحله..
بدأها بأحلام الفتى المتطلع
(واثق الخطوة يمشي ملكا
ظالم الحسن شهي الكبرياء..)
ثم توقف في منتصفها وقفة تأمل ومراجعة بحنكة الشيخ الكهل وقد بلغ من العمر 67 عاما ليقدم عصارة خبرته ونصائحه ..
منطلقا بعدها بفورة الشباب المتوتب وثورته
(وانت مناي اجمعها مشت بي
إليك خطى الشباب المطمئن.. )
كانت البطولة في تلك اللحظة مناه .. فكان كالجواد الأصيل في المنعطف الأخير للسباق .. وكبطل الماراثون في المراحل الأخيرة من السباق الطويل المجهد حتى إذا ما وصل خط النهاية رمى بكل قواه وثقله وإمكاناته ليتجاوز منافسيه..
لم يكن ينظر لمن خلفه..
ولايهمه من يكون .. .؟
تزكهم يتباكون على نقاط ضائعة..
يعيشون وهم الحلم ..
ويرددون نظرية المؤامرة...
غابت أندية جماهيرية فحاولوا التقليل من أهمية البطولة ..
وتراجعت مستويات أندية فسعوا إلى التقليل من من مستوى الدوري ..
وظهر (الشباب) وعملوا على التقليل من قيمته ككيان ..
ومن جماهيريته كأعداد ..
ومن شعبيته كحضور ..
ومن إدارته كتعامل ..
ولأن لغة الأرقام لا تكذب..
ولأن الرقم مفردة صحيحة في لغة المقارنة فإن دوري هذا العام يحمل نفس الأرقام في دوري الموسم الماضي في ميزان البطل.
كلاهما فاز في 19 مباراة وتعادل في 7 وجمع 64 نقطة .
بطل هذا الموسم “الشباب” سجل 50 هدفا وولج مرماه 16 بفارق 34 هدفا لصالحه ...
وبطل العام الماضي “الهلال” سجل 52 هدفا وولج مرماه 18 بالفارق نفسه 34 هدفا لصالحه ...
ودوري هذا الموسم كان مثيرا وقويا حتى أسبوعه الأخير..
إذ لم يتحدد البطل.
ولا الهابط لدرجة أدنى باستثناء ناد واحد كان ظاهرة غريبة في نتائجه..
ولا المتأهلين لكأس خادم الحرمين (بطولة الأبطال) ...
ألا تكفي هذه الدلائل على قوة الدوري وإثارته وحمى التنافس فيه .. .؟
أم أن هناك مقاييس لايدركها إلا أولئك ...؟
ومع إيماننا بأن للشباب جمهوره العريض الذي يدركه العارفون بتاريخ الشباب ومكانته .. إلا أن قلة الجمهور أو كثافته لم تكن ذات يوم مصدر تقليل من قيمة الكيان أو زيادة فيها .. ولم تكن ذات يوم مانعة لتفوقه ونجاحه ..
بل إن جمهورا محدودا لكنه فاعل ومؤثر خير من جماهير هي مصدر إزعاج بتصرفاتها ومواقفها ...
كان الدوري عنيفاً في مراحله ..
قويا في كل أسابيعه ..
وكان الشباب حاضرا في كل مبارياته مؤثرا فيها غير متأثر بها ..
أراد الشباب أن يكون للدوري طعمه المميز ..
وأن تكون له نكهته الخاصة ..
فتعامل معه بطريقته المتفردة ..
يسبقهم مبتعدا عنهم ..
ينتظرهم ويدعوهم لمنازلته ويقدم الطعم لهم ..
تقدم .. فلفت الأنظار ..
توقف .. فأعلن الإثارة ..
انطلق فأقصى الخصوم ..
كان هذا حال الشباب في هذا الدوري ..
يسير نحو المقدمة بمشية متوازنة ..
وخطوة واثقة ..
كان ينظر للأمام غير آبه بمن وراءه ..
فالبطل الحقيقي هو من ينطلق نحو المقدمة دون أن يلتفت إلى الخلف لأنه يدرك أن في ذلك تعطيل لخطوه وتأثير على مسيرته ..
وهكذا كان الشباب
وهو يحقق بطولة الدوري
بأصالته ..
وعراقته ..
بجهده ..
وثقته ..
هكذا كان الشباب وهو يحقق بطولته الـ 24 ..
كان .. (شباب عيار 24)
والله من وراء القصد.