|


عبدالله الضويحي
حـــــــرب الــ 100يوم
2011-11-22
وحرب الـ 100 يوم هذه ليست حرب المائة يوم المعروفة في سجلات التاريخ الرياضي والسياسي وفي كرة القدم العالمية، وهي الحرب التي قامت بين هندوراس والسلفادور عام 1969م في تصفيات أمريكا الجنوبية المؤهلة لمونديال المكسيك 1970.. وملخصها أن هندوراس فازت على السلفادور في مباراة الذهاب والسلفادور في الإياب، فأصدرالرئيس الهندوراسي أمره بترحيل 300 عامل سـلفادوري إلى بلادهم، ثم أقيمت مباراة فاصلة على أرض محايدة (المكسيك) وفازت السلفادور, ورغم الروح العالية التي سادت المباراة إلا أن الطائرات الهندوراسية شنت غارة على السلفادور مما أدى إلى قيام الحرب التي استمرت 100 يوم .
هذه القصة والتسمية ذكرتني بمباراة منتخبنا القادمة مع أستراليا التي ستكون مفصلية في تأهلنا للمرحلة النهائية من تصفيات آسيا المؤهلة للمونديال 2014 وليس للمونديال نفسه، حيث إن فوزنا في هذه المباراة يعني ضمان التأهل في حين أن أي نتيجة أخرى تدخلنا عالم الحسابات.
هذه المباراة يفصلنا عنها 100 يوم بالتمام والكمال, ويبدو أننا سنكون خلال هذه الفترة في حالة حرب أو أشبه مانكون .. من حيث الاستنفار والتهيئة على مختلف الأصعدة وعلى كافة المستويات.
هذا هو حالنا هذه الأيام من خلال مايتم طرحه عبر وسائل الإعلام وعبر كل المستويات أيضا.
ويبدو أنه سيكون حالنا إلى أن تضع هذه (الحرب) أوزارها .. سواء انتصرنا فيها أو خرجنا مهزومين ـــ لاسمح الله ـــ إذ لاتعادل في الحروب.
فمنذ أن انتهت مباراتنا مع عمان بالتعادل بدت بوادرها بدءا بموقع فيفا الذي أطلق شرارتها الأولى بعد المباراة مباشرة عندما قال على موقعه الرسمي (عاد المنتخب السعودي إلى سلسلة نتائجه الهزيلة في المرحلة الثالثة من التصفيات الآسيوية بتعادله السلبي مع ضيفه العماني, وهذا التعادل سيضاعف الضغوط على مدرب المنتخب الهولندي فرانك ريكارد قبل المواجهة الحاسمة أمام أستراليا في الجولة الأخيرة، حيث بات في موقف لايحسد عليه, وقد يكون مهددا بالرحيل من منصبه في أي وقت بسبب سوء النتائج) ثم مرورا بالإعلام وانتهاء بالمسؤول وسيظل الإعلام هو الساحة التي ستدور فيها الرحى.
ولكن دعونا بداية نتساءل:
لماذا قال فيفا هذا الكلام؟
ولا أعني هنا (فيفا) بذاته فهو لايمثل رأيه الرسمي بقدر مايمثل وجهة نظر محرر الخبر في موقع (فيفا) الرسمي، لكنه في كل الأحوال لم يأت من فراغ .
فهل كان المعني به الاتحاد السعودي بذاته؟
أم أنها حالة عامة لكل منتخب؟
وفي كل الأحوال فهي لاتخرج عن أحد احتمالين :
ـــ إما ..
أن المقصود هو الاتحاد السعودي لكرة القدم بذاته واتهام له بطريقة غير مباشرة بكثرة تغيير المدربين وعدم إعطائهم الفرصة للنجاح, وهي سمة باتت معروفة وملتصقة بالكرة السعودية عموما مما يؤثر على سمعتها دوليا ويجعل تعاقدها أو بحثها عن مدرب عالمي يحترم اسمه وسمعته يواجه الكثير من الصعوبات سواء على المستوى الإداري أو المالي.
ـــ أو ..
أن المقصود هو عموم المنتخبات التي يفشل معها المدربون في تحقيق طموحاتهم أو هي تفشل في ذلك لعدة أسباب ليس شرطا أن يكون المدرب أحدها لكنه الضحية.
وعموما ..
فحالات كهذه لاتؤثر على المدرب أو يهتم بها خاصة عندما يكون معروفا بإمكاناته وقدراته على الساحة الدولية، لأنه كمدرب يثق في قدراته ويؤمن بمثل هذه الحالات والمواقف.
الاتحاد السعودي لكرة القدم .. وضع ريكارد في زاوية ضيقة .. لا أدري هل يستطيع التحرك فيها للخروج من هذا المأزق أم تعيقه عن ذلك، عندما وضع أمامه مطلبا واحدا فقط هو الفوز على أستراليا.. مقدما العديد من الخيارات على طاولة النقاش بما فيها تأجيل الدوري حتى لو أدى ذلك إلى إعادة برمجة الموسم واختيار مكان للمعسكر ومدته والمباريات الودية التي يريد ومستواها ... إلخ.
الإعلام الرياضي ..
هو الساحة التي ستدور فيها رحى الحرب ــ كما قلت ــ وهو أيضا جزء منها ويلعب فيها الدور الأكبر والأهم.
الإتحاد السعودي .. أوراقه مكشوفة وواضحة ورمى بها كاملة على الطاولة.
لكن الإعلام ..
هو من يمسك بزمام اللعبة وأوراقه غامضة ويمثله أكثر من لاعب كل منهم يرمي بورقة في انتظار الآخرين، وقد يخرج من اللعبة ويعود إليها مرة أخرى.
منهم ..
من يتفاءل بمن حوله .. أو يتشاءم
ومن يؤمن بالألوان..
من تتسمر نظراته على الـDealer عند توزيعه الأوراق ..
من يتفاءل بلاعب معين يجلس بجانبه ولايريد آخر ...
يطرح كل الأوراق لايهمه إن كانت متناقضة أو يناقض نفسه في أدائه ..
حتى إذا ما انتهت اللعبة قال :
أنا قلت .. وأنا فعلت .. وأنا حذرت ..
فكل الخطوط لديه مفتوحة ... وكل الاحتمالات واردة ...
حقيقة ..
إنني أشفق على فرانك ريكارد .. وأتعاطف معه ..
ليس دفاعا عنه
أو قناعة به ومنهجيته
ولكن ..
للحالة التي هو فيها ..
ومدى قدرته على التفكير ووضع الحلول للخروج من هذه الحالة ...
كلنا يدرك كيف يعيش الشخص وضعا متأزما عندما يواجه بعض الضغوط في مختلف مناحي الحياة تفقده التركيز والقدرة على التفكير .. فكيف بحالة مثل حالة ريكارد؟
ربما أتى من يقول :
إنه هو الذي وضع نفسه في هذه الزاوية وعليه أن يتحمل تبعات ذلك ونتائجه ..
وأقول:
ربما أنه وضع نفسه ..
أو أننا نحن الذين وضعناه ....
أو على الأقل ساهمنا في دخوله إليها ....
إذ إنني أؤمن ..
أنه لايمكن لأي إنسان أن يرضى بأن يضع نفسه في موقف كهذا .. ولكنها الظروف المحيطة به هي التي تؤدي إلى ذلك .. خاصة عندما يكون صاحب تجربة وخبرة
والحالة نفسها .. تنطبق على اللاعبين أيضا الذين سيواجهون العديد من المدربين والمنظرين والاختصاصيين النفسيين في المجتمع الرياضي عموما وفي الإعلام .. وفي إدارة المنتخب وجهازه الفني، ومايملونه عليهم من توجيهات وتحذيرات متناقضة .. لاتمثل أكثر من وجهات نظر شخصية ...
حقيقة أخرى ..
لا أخشى على منتخبنا في لقائه القادم أمام أستراليا من قصور في عناصره ولا في دعم ووقفة اتحاد كرة القدم معهم .. ولا في النواحي الفنية ..
أخشى ما أخشاه ناحيتين :
الأولى .. الضغوظ النفسية
والتي بدأت كما أشرت قبل قليل منذ نهاية مباراتنا مع عمان ومطالبته بالفوزعلى أستراليا كخيار وحيد .. حتى كأن هذه المباراة لاتقرر مصير المدرب ريكارد فقط بقدر ماتحدد نجاح الاتحاد السعودي لكرة القدم كمقياس لهذا النجاح..
وهي التي ستحدد نجاح المؤسسة الرياضية من عدمها ..
علما بأنها لاتعدو كونها مباراة في كرة القدم .. الفوز فيها وارد كما هي الخسارة ..
وهي مباراة تؤهلنا لمرحلة أخرى وليس لكأس العالم ..
وإذا ما خسرنا هذه المباراة ــ لاسمح الله ـــ فستعود أقلام هجرت الرياضة وأقلام لم تمر عليها .. أو أقلام موسمية وأخرى رياضية للتنظيرمن جديد عبر كل الاتجاهات وبمختلف اللغات وعبر كل الطرق كما اعتدنا في مثل هذه المناسبات ..
الثانية ..
أن يؤدي هذا الخيار الوحيد إلى الاندفاع في تعاملنا مع المباراة كناحية هجومية بحتة على حساب تأمين الخطوط الخلفية .. ليس من حيث العناصر ولكن كمنهج للمباراة وهي مغامرة غير محسوبة العواقب..
إن الوسطية منهج ناجح ..
والتوازن في مثل هده المواقف مطلوب ..
لا أعني هنا أثناء المباراة فقط ..
لكنني أتحدث عن الـ 100 يوم المقبلة لتكون100 يوم من السلام والهدنة والتعامل مع الواقع نقدا وتبصيرا ..
والدعم المعنوي للفريق بالوقوف معه .. لا أن تكون الـ 100 يوم من الحرب عليه دون أن نعي ذلك ونحن نحسب أننا نحسن صنعا ..
والله من وراء القصد
الجلد ..
والخدمة الاجتماعية
بات نزول بعض الجماهير أرض الملعب أثناء المباراة ظاهرة تستحق التوقف عندها طويلا .. ولم تعد حالات فردية أو نادرة تنتهي بانتهاء المباراة ومعالجتها في حينه..
ولم تعد مقصورة على ملعب بذاته أو مدينة بعينها مما يعني انتشارها ..
وأخشى أن تتحول ذات يوم إلى ظاهرة يصعب السيطرة عليها .. وأن يتنامى عددهم في الحالة الواحدة أو أن يمتد ذلك إلى الجماهير في المدرجات بحيث ينعكس التصرف الوقتي معهم إلى ردة فعل لدى الجمهور..
ندرك جميعا أنها حالات فردية .. وأن الهدف منها نوع من تحقيق الذات لدى ممارسيها أو كسب تحد شخصي مع آخرين .. أو أية أسباب أخرى تدور في هذا الإطارنفسه .. لكن تركها بهذه الصورة دون تعامل حازم معها أو تغيير في لغة التعامل فد يخرج بها عن نطاق السيطرة..
إن المساءلة أو التوقيف لبضع ساعات أو دقائق والتوقيع على تعهد شخصي بعدم تكرار ذلك ينتهي مفعوله بخروج كاتبه من الموقف لم يعد علاجا ناجحا لمثل هذه الحالات..
لن أطالب .. بمعاقبة هؤلاء جسديا ..
ولا بجلدهم أمام الجمهور وفي مكان المخالفة ليكونوا عبرة لغيرهم كما يقول البعض وهي ردود فعل انفعالية وقت الحدث ..
لن أطالب بذلك لاعتبارات كثيرة لامجال للحديث عنها وتفصيلاتها ..

لكنني أطرح رأيا آخر ..
ماذا لو تم تطبيق الخدمة الاجتماعية على هؤلاء؟
بمعنى ..
أن مرتكبي مثل هذه المخالفات يجبر على المساعدة في تنظيف الملعب مع العمالة الموجودة أو بعض أماكن معينة منه بعد خروج الجماهير الرياضية وإعادة ترتيبه سواء المقاعد الرسمية أو غيرها وتحت إشراف مباشر من مسؤول لتحقق العقوبة الهدف المنشود منها..
مثل هذه العقوبات في نظري يمكن أن تحقق هدفين :
الأول ..
تعطيل هذا الشخص وإبقائه في الملعب ساعات معينة بعد خروج الجماهير من المباراة وهي أفضل في كل الأحوال من توقيفه لدى الأمن أو مراكز الشرطة.
الثاني ..
تنمية روح التعاون لدى هؤلاء الشباب ومعنى العمل التطوعي وزرعه في نفوسهم بما يعزز روح الانتماء للوطن والمحافظة على مكتسباته ومدخراته ومحو الصورة السلبية في أذهان هؤلاء الشباب حول مثل هذه الأعمال ونظرتهم الدونية لها والتأكيد على شرف العمل أيا كان.
إننا لو طبقنا مثل هذه العقوبات سنكسب إحدى الحسنيين :
ـــ فإما ..
أن تختفي مثل هذه التصرفات عن ملاعبنا الرياضية
ـــ وإما :
أن ننمي في نفوس شبابنا تلك الروح التي أشرت إليها
وأثق أن الأولى ستكون الأقرب.
وأتمنى أن تنمو الثانية في نفوسهم ولو من طرق أخرى غير هذه ..

أنمار عدنان باديب
وصلتني أيام عيد الأضحى المبارك تهنئة من الابن أنمار عدنان باديب.. ابن صديقنا الغالي والزميل عدنان باديب ختمها بالدعاء لأمواتنا بالجنة ..
لم أكن أعرف أنمار قبل هذه الرسالة لكن لفت نظري خاتمة الرسالة ..
اتصلت بصديق الجميع فوزي خياط متوجسا.. حيث أكد لي حقيقة وفاة عدنان باديب فجأة إثر نوبة قلبية قبل أيام من تلك الرسالة في ظروف كنا نعيشها ويعيشها الإعلام.. جعلت خبر وفاته يتوارى بين الصفحات فعدت اتصل بالابن أنمار معزيا ومواسيا وداعيا للفقيد ..
عدنان رحمه الله كان أحد رموز الزمن الجميل في إعلامنا الرياضي، وأحد رموز هذا الزمن في جريدة الندوة عندما كانت ذات حضور فاعل في المجتمع سواء الرياضي أو عمومه ..
معرفتي بعدنان رحمه الله قبل أكثر من ثلاثة عقود قارئا ثم زميلا عندما كان مع الصديق والزميل زكريا لال (الأستاذ في جامعة أم القرى حاليا والذي غادر في تلك الأيام إلى الولايات المتحدة الأمريكية للدراسات العليا)مشرفين على الصفحة الرياضية بجريدة الندوة.. ليأتي بعدهما الزميل فوزي خياط مع زملاء آخرين منهم فريد مخلص وغيرهم ..
سافرت مع عدنان والتقينا في مناسبات متعددة في ذلك الزمن الجميل بكل ماتحمله هذه الكلمة من معنى .. وكان عدنان ولازال حتى مغادرته هذه الدنيا الفانية جميلا بحضوره .. جميلا بمبادئه .. جميلا بهدوئه .. جميلا بابتسامته .. جميلا بأخلاقه .. جميلا بتعامله مع الآخرين ..
وكما قال صديقنا فوزي خياط: إنه كان بارا بأمه وبوالديه عموما وحريصا على رضاهم وعلى عائلته وقربه منهم وهو مايلمسونه فيه من خلال لقاءاتهم المستمرة معه كمجتمع إعلامي في مكة المكرمة ..
من المؤكد ..
أن أنمار وجد رقمياً في جوال والده رحمه الله عندما عزيته (أعني عدنان) قبل سنتين أو ثلاث في وفاة والده على ما أظن، ولم ينس عدنان وقتها رحمه الله أن يسأل عن جميع زملاء الوسط الرياضي الإعلامي من جيلنا وأحوالهم وذكرياتهم..
وأنمار بهذا يضرب أروع المثل لأبناء وشباب اليوم في بر الوالدين.. متمثلا قوله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن بر الوالدين بعد وفاتهما فقال (الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لاتوصل إلا بهما وإكرام صديقهما).
رحم الله الصديق والزميل الإنسان عدنان باديب وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان، وجعل قبره روضة من رياض الجنة وأسكنه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ..
نم صديقي وأخي عدنان في قبرك قرير العين هانيء البال.. بإذن الله نحسبك كذلك لطيبة قلبك وحسن خلقك وبرك بوالديك
نم قرير العين لأن لك ابنا بارا وولدا صالحا يدعو لك ..
أما أنت يا أنمار ..
فكثر الله من أمثالك وأعانك على الصبر وعلى البر بوالدتك كما أنت بارا بوالدك، وثق أن عدنا باديب لازال موجودا بيننا ونتمثله أمامنا دائما فيك أنت يا أنمار.. والله من وراء القصد.