|


عبدالله الضويحي
أندية (الشمال).. وأندية (الجنوب)..
2011-02-08
ناقشت على مدى بضعة أسابيع وفي أكثر من مقال وضعنا الرياضي.. وتحديدا في كرة القدم عقب خروجنا المر من كأس الأمم الآسيوية.. وما سبق ذلك من مستويات ونتائج للكرة السعودية لا تتناسب مع طموحاتنا وإمكاناتنا الفنية والمادية..
وقلت:
إن الرياضة وكرة القدم بالذات باعتبارها هما اجتماعيا.. وثقافة سماعية تدخل كل بيت.. فقد أتاحت الفرصة لكل من أراد أن يناقش وضعها.. ووضعنا الرياضي عموما وهو حق من حقوقهم.. باختلاف مستويات هؤلاء الأكاديمية والثقافية.. دون استناد البعض منهم إلى معايير واضحة ومقنعة لهذا النقد..
وتحدثت في مقال مستقل عن خطابنا الإعلامي الرياضي على مدى أربعين عاما.. الذي ظل يمارس نوعا من جلد الذات عقب كل بطولة نخسرها.. مهما كانت نتائجنا ومرحلة عطائنا فيها..
وتطرقت في مقال آخر.. إلى مجموعة عوامل ساهمت في هذا التراجع في النتائج وفقد الهوية.. مثل الاحتراف كمفهوم.. وتطبيقه على الواقع.. والمنشآت الرياضية ومسابقاتنا الرياضية وغيرها..
ووعدت بأن أتناول الأندية في مقال آخر..
والأندية..
في نظري ونظر كثيرين.. هي الأساس.. وهي اللب إذا صلحت صلح المنتخب.. وإذا لم تستطع القيام بدورها.. على الوجه الصحيح كان لذلك تأثيره السلبي على المنتخب..
فالأندية
هي المصنع.. أو هي التي تصنع اللاعب.. وفي معاملها ومختبراتها.. يتم إعداده وتشكيله فنيا.. وبدنيا وثقافيا وفكريا..
واللاعب..
هو محور العملية ككل.. وهو العنصر المؤثر في الفريق.. وبالتالي في المنتخب.. صحيح أن للمدرب دوره.. وكذلك للإداري..
لكن..
وجود الإداري المؤهل.. والمدرب الناجح.. لا تكفي في ظل وجود لاعب غير مؤهل.. أو لا مبال.. أو غير قادر على استيعاب هذا الفكر.. والتعامل معه..
في حين..
أن اللاعب الكفء.. والمؤهل فكريا وفنيا.. قد يغطي جوانب الضعف الإداري.. أو الجهاز الفني بعض الشيء.. ولعل منتخباتنا في 1984 و1988 و1994 خير مثال على ذلك.. وإن كان منتخب 1984 قد تكاملت فيه العناصر الثلاثة..
لكنني هنا..
أشير إلى إمكانات اللاعب وقدراته وفكره الفلسفي..
الأندية لدينا..
لم تعد تهتم بالناشئين..
لأنها أصبحت تجد البديل الجاهز في ظل الاحتراف.. في السابق..
لم يكن لديها خيارات..
ولا توجد فترة انتقالات..
ولا سوق حرة للاعبين..
ولا شراء عقود..
فكانت تهتم ببناء القاعدة والبحث عن المواهب.. وإعدادها وإبرازها..
ولذلك كانت الكرة السعودية (ولادة). كما يقولون..
وكانت منتخبات المملكة للشباب والناشئين.. تتصدر البطولات الإقليمية والقارية.. بل ووصلنا إلى نهائيات كأس العالم للشباب والناشئين أكثر من مرة.. وتم تتويج ذلك بالفوز بكأس العالم للناشئين 1989 في اسكتلندا.
ذلك المنتخب كان هو الأساس لمنتخب المملكة الذي تأهل لكأس العالم 1994 لأول مرة في تاريخ الكرة السعودية.. وقدم خلالها أفضل النتائج حتى الآن.. ومن أفضل نتائج المنتخبات العربية في المونديال..
وكلنا يذكر على النطاق المحلي.. مدرسة الهلال الكروية.. في الثمانينيات.. التي أنجبت جيلا وأكثر خدموا الهلال.. وخدموا الكرة السعودية.. على مدى سنوات..
الآن..
لم تعد الأندية تهتم بهذا الجانب.. كما كانت من ذي قبل.. جاء الاحتراف.. وأصبح البحث عن اللاعب الجاهز وشراء عقده.. هو الحل لنقاط الضعف.. أو تعزيز مصادر القوة.. ودخلت الأندية في مشاكل مالية وإدارية.. نتيجة عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها سواء تجاه النادي الآخر أو تجاه اللاعب.. لأننا لانتعامل بفكر احترافي.. ولا فكر تجاري واستثماري.. بقدر اعتمادنا على حسن النوايا.. والثقة في الآخر.. وهي أمور لاتجدي نفعا.. ولا تتسق مع الاحتراف كمفهوم وتطبيق.. وهذ انعكس بدوره على علاقات الأندية مع بعضها البعض وعلاقات الأندية مع لاعبيها.. بصورة أثرت على وضع الكرة لدينا.. وعلاقات الجماهير بأنديتها والأندية الأخرى.. ولاعبي تلك الأندية.. مما ساهم في تغذية كثير من الأمور السلبية في الوسط الرياضي.. وانعكس ذلك بدوره على المنتخب..
في حين يفترض..
أن يزداد الاهتمام بالنشء.. بهدف استثماري على المدى البعيد.. وهو أحد الجوانب المهمة في الاحتراف.. إن لم يكن الأهم..
ناد مثل برشلونة.. اشترى عقد لاعبه كرستيانو رونالدو بـ 94 مليون يورو.. كأغلى لاعب في العالم حتى الآن.. كاسرا بذلك رقم زين الدين زيدان عندما اشتراه ريال مدريد بـ 75 مليون يورو.. وفي غضون شهر واحد بلغت مداخيل برشلونة من مبيعات قميص رونالدو فقط 100 مليون يورو (أكثر من قيمة عقده).. ناهيك عن العوائد الاستثمارية بالطرق الأخرى..
ومن جهة ثانية.. فإن لاعبه ميسي.. ترعرع في صفوفه وتبناه منذ صغره.. وهو الآن في نظر كثيرين أغلى لاعب في العالم فيما لو تم طرح عقده للبيع..
نحن لا نريد أن نصل إلى هذه الأرقام وهذه المستويات.. ولا يمكن أن نصل.. لكن العملية نسبية..
نريد فكرا احترافيا.. يعرف كيف يستثمر الأندية.. ويديرها..
وهذا لن يتأتى ما لم نتخذ خطوة عاجلة وجريئة.. بتخصيص الأندية.. ولنبدأ بأندية المحترفين.. كخطوة أولى.. أو بعضها على سبيل التجربة..
الأندية لدينا
تفتقد للعمل المؤسساتي المنظم.. ولذلك فهي في معظمها تخضع لمزاجية الرئيس..
وفكر الرئيس..
فهو الذي ينهي عقد المدرب... وإن كان أبعد ما يكون عن الفهم الكروي..
وهو الذي ينهي عقد اللاعب الأجنبي..
وهو الذي يستقطب اللاعب المحلي ويفاوضه.. ويتحكم في مصيره..
ولهذا..
تعيش الأندية ضائقة مالية.. ومشاكل اقتصادية.. نتيجة شح الموارد.. وعدم تغطيتها لهذه النفقات الصادرة عن قرارات عشوائية في معظمها..
والداعمون الأفراد.. أو أعضاء الشرف ليس لديهم الاستعداد أن يتحولو إلى (بقرة حلوب).. وعفوا لهذا الوصف.. لكنه الواقع.. فهم يريدون أن يروا نتاج دعمهم.. وليس هناك نتاج.. وبعضهم يريد أن يكون صاحب قرار مقابل ذلك.. وهو ليس من حقه.. قلت في مقال سابق..
وأعاود القول.. إن ثلاثة أندية لدينا هي فقط القادرة على أن تعيش وفق ظروف المرحلة دون أن أسميها في حينه.. لكنها معروفة.. الهلال.. الاتحاد.. والشباب.. ولذلك ليس غريبا أن تسيطر هذه الأندية الثلاثة على البطولات المحلية خلال السنوات العشر الماضية.. لأن لديها أعضاء شرف داعمين.. والهلال لديه بالإضافة إلى ذلك.. مناخ استثماري جيد.. وبعضها معرض في أي لحظة.. لأن (تجف عنه منابع الدعم).. أو بالأحرى (تغلق).. أو (أن يتم تقنينها).. لأي سبب كان..
والبقية.. من ذوي الدخل المحدود.. أو تعيش تحت خط الفقر..
وهي ظاهرة غير صحية على الإطلاق.. ويجب أن يتم ردم الهوة بين (أندية الشمال).. و..(أندية الجنوب) إن صح التعبير.. على طريقة حوار الشمال والجنوب..
وهذا لن يتأتى ـــ كما قلت ـــ إلا بإعادة صياغة الأندية لدينا وإداراتها وتخصيصها.. لتعتمد على التشغيل الذاتي.. ولتستطيع فرض أسلوبها.. وشروطها على اللاعب.. وتقنن سعره.. إذ إن قيمة العقود الحالية للاعبين السعوديين فيها كثير من المبالغة..
فمع احترامي وتقديري للاعب السعودي..
لا أرى لاعبا يستحق مبلغ العشرين مليون.. ناهيك عن الثلاثين.. عدا الرواتب العالية والميزات الأخرى والهدايا..
هذا الارتفاع في العقود.. نتيجة القرار الفردي والبعد عن المنافسة الشريفة..
البعض يسعى لتسجيل اللاعب.. لا.. ليستفيد منه.. ولكن ليقطع الطريق على النادي الآخر ليستفيد من اللاعب..
ولو كان هناك أندية تخضع للمحاسبة والمساءلة.. من قبل الأعضاء والمنتسبين.. وضبط الأمور الإدارية والمالية.. لما تجرأت الأندية على مثل هذه الخطوة.. ولا غيرها من الخطوات الارتجالية..
ربما يرى البعض أن هذا الارتفاع يعود لقصر عمر اللاعب في الملاعب ورغبته في تأمين مستقبله.. وهو مبرر غير مقبول.. فقيمة العقد مبالغ فيها.. حتى لو آمنا بذلك..
هذه ناحية... ثم إن ما يتم دفعه للاعب لا يتناسب مطلقا مع عطائه.. ولا يتناسب أيضا مع الساعات التي يؤديها مقابل ذلك..
وهذا ما يجعل البعض يبرر عدم إلزامه اللاعب بالتدريبات الصباحية.. والتواجد في النادي ساعات تكفي لإعداده فنيا وبدنيا.. من أنه لا يستطيع فرض ذلك عليه.. وهو الذي يؤخر حقوقه بالأشهر.. وربما أكثر..
ولن أتحدث هنا عن انعكاس ذلك على اللاعب ونفسيته.. وأسلوب البحث عن مصدر رزقه.. وبالتالي مستواه.. إلخ..
إن تنظيم الأندية..
وتخصيصها من شأنه أن ينظم هذا كله.. وينظم علاقة اللاعب بناديه.. وكيفية تأمين مستقبله.. وما إلى ذلك.. بما ينعكس على مستقبل الكرة السعودية..

العلم في الصغر..
ثمة أمر نغفل عنه كثيرا.. ولا نلقي له بالا.. رغم أهميته.. وهو ترسيخ مفهوم المبادئ السامية للرياضة وطبيعة التنافس الشريف في نفوس النشء.. وتعهد ذلك بالرعاية والاهتمام طوال مراحل التعليم العام.. لينشأ الشاب وفق ثقافة رياضية... يدرك من خلالها أبعاد المنافسة الرياضية ومعناها.. على مستوى المنتخب أو على مستوى الأندية والتنافس المحلي.. بدءا من المرحلة الابتدائية وهي الأساس والأهم عبر ثلاث قنوات أشير اليها هنا باختصار..
التربية الرياضية..
أو التربية البدنية (حتى لا أغضب أحد الفريقين) وأعني حصة هذه المادة.. وأهمية أن يكون لها مقرر يساهم في تنمية هذه الثقافة لدى النشء والحث على العمل الجماعي ونبذ التعصب والفردية.. معلم هذه المادة.. يكتفي بطابور الصباح.. أما الحصص فيتولاها التلاميذ من خلال تقسيم انفسهم لفريقين وما يتخلل طبيعة التنافس من تجاوزات.. إلخ بعض معلمي المادة.. لايملك الثقافة التي تؤهله لإعداد هؤلاء النشء.. أو لايملك الرغبة والطموح.. .. وربما يتم تكليفه بمهام أخرى لاعلاقة لها بتخصصه وطبيعة عمله..
حصص النشاط..
وأعني النشاط اللاصفي في المدارس.. الذي يقتصر على جمعيات معينة.. وبرامج مؤدلجة.. أو مكررة.. منذ أن كنا تلاميذا في تلك المرحلة.. في حين يفترض أن تحتوي برامج تثقيفية في مختلف مناحي الحياة.. والرياضة جزء منها..
التربية الوطنية..
تضمين مقرر التربية الوطنية فصولا.. وابوابا خاصة بالجانب الرياضي والثقافة الرياضية كجزء من الثقافة والسلوك العام.. والظواهر السلبية الناتجة عن بعض الممارسات الخاطئة.. وتنمية روح العمل الجماعي.. ونبذ الفردية والتعصب.. وما إلى ذلك.

المؤتمر العام
على أنني أعود للتأكيد على فكرة سبق أن طرحتها قبل أسابيع هي عقد مؤتمر عام.. يجمع مسؤولي الأندية ورعاية الشباب والغرفة التجارية والقطاع الخاص والمهتمين لدراسة الاستثمار في الأندية وكيفيته.. ؟.. والضمانات المتاحة للقطاع الخاص..
إن أكثر ما يقلق القطاع الخاص هو تخوفه من عدم استقرار الأندية.. وعدم وضوح الرؤية حول إداراتها.. وكيفية تعاملها.. وبالتالي انعدام المردود الاستثماري مقابل ما يقوم به من عمل.. أو يضعه من برامج.. ولعل دعوة الأمير نواف بن فيصل الرئيس العام لرعاية الشباب.. وتأكيده في بداية تسلم مهامه على تنظيم مؤتمر عام تشارك فيه كل الأطراف لمناقشة الوضع الرياضي بصورة عامة تفتح الآفاق لتلك الجزئية التي تعتبر في نظري من أهم مقومات العمل الاحترافي في الأندية.. ومشاركة التربية والتعليم أمر بالغ الأهمية فهي حجر أساس في كثير من مقومات الرياضة وإيجاد ثقافة رياضية واعية لدى الشباب والمنتمين لهذا القطاع بما يساهم في إعداد جيل يدرك الدور المنوط به ورسالته في هذه الحياة.