الحديث عن الأولمبياد حديث ذو شجون..
والحديث عنها.. وحولها لا يمل..
والإبحار في عالمها يقود إلى اكتشاف المزيد من الدرر..!
والخروج بكثير من الدروس والعبر..!
في تحطيم الأرقام القياسية..
في تطويع الزمن.. وتقسيمه..
وإذا كانت طرفة العين.. تستغرق جزءاً كبيراً من الثانية وربما استغرقت أكثر من الثانية نفسها.. فإنهم استطاعوا تقسيم هذه الثانية.. إلى مائة جزء.. واحتساب الجزء كمقياس تفوق لبطل على آخر..!
في صناعة البطل..
في ذوبان الفروق العرقية..
والصراعات السياسية..
في تكوين الإنسان.. وذاته.. وتركيبته الفسيولوجية.. والبيولوجية..
والفرق بين الأنثى والذكر في هذه القدرات..
في عظمة خالق هذا الإنسان.. وقدرته.. التي تتراءى في قدرة مخلوقه.!
سأتوقف.. عند الشاطئ مكتفياً بالنظر إلى الأفق البعيد دون إبحار في المحيط..! وإن كنت أتمنى ذلك.. وأتوق إليه.. وأجد المتعة فيه.
أمامي خياران (في منتصف هذا الأسبوع).. أحدهما يتعلق بالأولمبياد (الحدث).. والآخر.. بموضوع هو في حد ذاته (حدث)!
ـ الأول :
نتائجنا في الأولمبياد.. وعلاقتنا به.. ورغم أن ما حدث حتى الآن يحتاج لوقفة.. سواء من نتائج غير مقبولة.. أو أسباب غير منطقية.. من (نوم بطل!) و(هبوط مستوى آخر).. في الأيام الأخيرة.. و(لا مبالاة).. أو غيرها.. لكنني رأيت تأخير ذلك حتى إنهاء المشاركة ليكون الموضوع أكثر تكاملاً وشمولية.
ـ الثاني :
يتعلق بالشأن المحلي.. وتحديداً عقود اللاعبين غير السعوديين.. وتعاقدات الأندية هذا الموسم..!
وإذا كان الكل مشغولا بالأولمبياد ومتابعته.. إلا أن الأولمبياد.. لم يسطع أخذه عن هذا الشأن وذلك الهاجس الذي سيرتبط به طوال الموسم.. وربما المواسم القادمة!!
أمران.. أو خياران أحلاهما مر!
وهو الخيار الثاني !
ـ يبدوأن أنديتنا لم تتعود على التعامل مع الأمور المالية وتقنين المصروفات.. وإدارتها بصورة صحيحة!
مع العقود المالية الكبيرة توقعنا ولا زلنا نتوقع أن يستفيد النادي ككل من هذه السيولة.. أن يكون هناك تقنين في الصرف.. و(توزيع عادل للثروة).. على بقية النشاطات في النادي من ثقافية واجتماعية ورياضية.. و(الرياضية) هذه أيضا لها تقنين خاص.. وفقاً للوائح الأندية وأنظمتها.. ورسالتها وأهدافها!
من الطبيعي.. بل من المؤكد ألا تتساوى النشاطات ولا حتى الألعاب.. ولكن أن يكون عملية نسبية في التوزيع!
توفرت السيولة.. وازداد الدخل.. وبدأت الأندية تعيش الطفرة.. لكنها ظلت على أسلوبها السابق في الاهتمام بأحياء الشمال ـ إن صحت التسمية ـ والألعاب الراقية.! التي تحت الأضواء.. وأنظار المسؤول.. والبحث عن الإعلام.. وإيصال الخدمات لها.. أكثر من غيرها!!
ولعلي أتساءل.. هنا.. تساؤلاً عابراً دون دخول في تفاصيله.. وربما جاء وقت لهذا الدخول..
هل تستطيع الجهات الرسمية والمسؤولة (رعاية الشباب) أن تفرض.. أو تضع قانوناً.. لتوزيع الثروة في الأندية..؟!
سأترك الإجابة على هذا التساؤل.. لوقت آخر.. وربما مفتوحة..!
تذكرت قصة ـ وما أكثر هذه القصص ـ أولئك الأولاد المحرومون.. الذين كانوا ينتظرون وفاة أبيهم لتقاسم ثروة حرمها إياهم وهو على قيد الحياة..! وعندما هبطت هذه الثروة.. (تفننوا) في اقتناء السيارات الفاخرة.. والاهتمام بالمظاهر.. والتجوال الدولي.. والحل والترحال.. ونسوا التخطيط لمستقبلهم.. حتى إذا ما تبخرت وجدوا أنفسهم في المنزل ذاته.. والوضع ذاته.. وكانت أشبه بحلم أو ذكريات عبر طيف خيالاتهم!!
تذكرت هذه القصة.. وأنديتنا تقع تحت يدها سيولة مادية قابلة للزيادة.. والتنامي.. لكن يظل التساؤل مطروحاً:
هل تستطيع الأندية التعامل مع هذه الثروة؟!
عندما كانت الأندية تعتمد بعد الله على أعضاء الشرف في الدعم.. وخاصة في التعاقدات مع اللاعبين الأجانب كان ترضى وتقنع بما يأتيها.. طالما أنها لا تتحمل التبعات المادية وما يترتب على هذه العقود.. ولذلك كانت نسبة نجاح هؤلاء اللاعبين ضعيفة.. وكنا نلتمس للأندية بعض العذر في ذلك.!
الآن ..
توفرت السيولة.. أو على الأقل بدأت تجري في أيديهم كخطوة أولى نحو التوفر..! لكن بوادر التعامل معها لا زالت تحتاج المزيد من الوقت لتصبح أكثر نضجاً.!
قبل ثلاثين عاما.. ومع بدايات الدوري الممتاز تعاقد الهلال مع اللاعب البرازيلي الشهير آنذاك روبرتو ريفيلينو الذي كان قد أنهى لتوه مشاركته مع منتخب بلاده في كأس العالم 1978 في الأرجنتين، ومع المدرب البرازيلي زاجالو الذي قاد البرازيل للفوز بكأس العالم مدربا 1970 بعد أن قادها لاعباً عامي 1958 و1962.
كانت خطوة ناجحة.. وأثمرت في حينها.. وكان ذلك بمثابة الانقلاب الكبير في مفاهيم الكرة لدينا.. والاحتراف كخطوة غير مسبوقة على مستوى المنطقة.. وكان لها صداها العالمي على مستوى الإعلام.
كان مرتب كل منهما 18 ألف دولار شهريا (ما يعادل 64 ألف ريال).. وقد مثلت هذه الأرقام عبئاً مالياً كبيراً على الإدارة الهلالية عانت منه.. ونأت عن حمله.!
لن أعود بكم لذلك التاريخ.. لكنها نظرة مقارنة فلغة الأرقام تغيرت، وهذا طبيعي.. لكن احفظوا هذا الرقم لاستخدامه بعد قليل..!
وقفزت لغة الأرقام.. من عشرات الألوف إلى المئات.. ومن المئات إلى الملايين.
والقفز.. أو التغير في لغة الأرقام.. سهل على المستوى النظري.. والعددي.. مجرد صفر.. يحتل المكان المناسب.. لتتحول العشرة إلى مائة.. والمليون إلى عشرة ملايين.
وتبدلت لغة العملة.. من الريال.. إلى الدولار.. والآن اليورو..! وأصبح راتب شهر للاعب الأمس يقل عن المرتب اليومي للاعب اليوم..!
هذا القفز السريع.. والمفاجئ.. يبدو أنه أثر حتى على انضباطية العمل لدى البعض..
ثلاثة أعضاء شرف.. أو إداريين ينتمون لناد واحد.. كل منهم يفاوض لاعباً أجنبياً.. والصحافة تؤكد التعاقد مع هذا.. وانضمام ذاك.. والمدرب آخر من يعلم.. وفي النهاية يصبح صاحب القرار.. أو الضحية..!
قلت..
لن أعود بكم لذلك التاريخ.. لكن لنعد إلى الأمس القريب.. بل إلى الموسم الماضي.. وما قبله.. وكيف كانت لغة الأرقام.
إلى عهد تفاريس.. وكماتشو.. والحسن كيتا.. وغيرهم لنتساءل عن هذه اللغة الجديدة.. التي بدأت تظهر في قاموس التعاقدات مع هؤلاء اللاعبين.. وما كنا نستكثره بالأمس.. أصبحنا نستسهله اليوم..!
ولعل نظرة مقارنة بين ما أنفقته الأندية على اللاعبين غير السعوديين في الموسم الماضي.. وما ستنفقه هذا الموسم.. أو ما أنفقته قبل أن يبدأ يعطي مؤشراً واضحاً وحقيقياً على ذلك..!
لا توجد أمامي معلومة دقيقة أو قريبة مما تم إنفاقه الموسم الماضي.. وإن كان البحث عنها ليس ملزماً.. أو ضرورياً لهذه الدلالة.. لكن تكفي لغة هذا العام غير المسبوقة والواضحة كمؤشر نظري.. وعملي على ذلك.
وبلغة الأرقام الموثقة نشرت الزميلة جريدة (شمس) قبل ثلاثة أسابيع قيمة تعاقدات الأندية مع اللاعبين غير السعوديين، فقد أشارت إلى مجموع عقود 28 لاعباً تعاقد معهم 11 نادياً من أندية الدوري الممتاز حيث تراوحت قيمة هذه العقود بين 100 ألف دولار.. و8.4 مليون يورو ما يعادل 13 مليون دولار (أدناها يعادل 1% من أعلاها) رغم أن الجريدة لم توضح مدد العقود لتتضح الصورة أكثر.
قد تكون بعض العقود.. أو بعض اللاعبين يستحق هذه القيمة.. قياساً للصدى الإعلامي.. والمردود الفني أو مستقبل اللاعب.. وإعادة بيع عقده.. واستثماره..! لكن يظل التساؤل.
هل هذه العقود مقبولة ومنطقية..؟!
وإذا كان ما يتحصل عليه النادي من مردود مادي مقابل استثماره من قبل القطاع الخاص.. سيذهب جميعه في قيمة عقد لاعب واحد..!
أو قيمة عقدين أو ثلاثة للاعبين أجانب..!
كيف سيكون تعامل النادي مع بقية اللاعبين.. ومستحقاتهم.؟!
ومع اللاعبين الوطنيين.؟!
ومع نشاطاته الأخرى.!
وعندما أقرت الرئاسة العامة لرعاية الشباب الاستثمار في الأندية.. ووافقت على تولي الأندية استثمار منشآتها.. واسمها.. مقابل عوائد مالية.. إنما كانت تهدف إلى أن تستقل الأندية بخططها وقراراتها وسياساتها المالية!! إدراكاً منها بأن إعانة الاحتراف وإعانة النادي.. لا تفي بالغرض.. ولا بأقل القليل في ظل هذه الأوضاع.. وهي لا تعدو كونها (إعانة) وليست (تغطية مصاريف) ولا يمكن أن تكون كذلك!
كما أرادت.. أن تستقل هذه الأندية أيضاً.. وتخرج من عباءة (هبات) و(عطايا) أعضاء الشرف.. وما تنطوي عليه في بعضها.. وما يترتب على البعض منها.! خاصة وأننا مقبلون على دوري المحترفين الآسيوي.. وأن العصر لم يعد يسمح للاجتهادات.. والهوايات.. بقدر ما يخضع للعمل الاحترافي المنظم.. والمبرمج..!
من هنا.. كان لابد للأندية.. أن تستثمر في الاتجاه الصحيح..!
وأن تتعامل مع هذا الاستثمار.. وهذه المداخيل بصورة صحيحة ومقننة..!
وأن تستطيع الموازنة بين إيراداتها ومصروفاتها.! دون عجز مالي.. أو تضخم..!
ـ وعودة مرة أخرى إلى لغة الأرقام نقلا عن جريدة (شمس) نجد أن مجموع المبالغ.. أو التعاقدات التي أبرمتها الأندية هذا الموسم (150) مليون ريال.. (مائة وخمسون مليون ريال سعودي).
وإن كانت لم توضح مدد العقود.. لتتضح الصورة أكثر.. وقد تحملت أندية الهلال والنصر والاتحاد ما يعادل.. أو يزيد عن 70% من إجمالي هذه العقود.. إذ تحمل الهلال 60 مليونا.. والنصر 28 والاتحاد 22 مليون ريال.
وتحمل ناد واحد فقط.. هو الهلال ما يعادل 40% من إجمالي هذه العقود..
وذهب ثلث هذه العقود.. للاعب واحد فقد هو السويدي كريستيان ويلهملسون.. الذي تعاقد معه الهلال.
وإذا كانت ثلاثة أندية فقط دفعت ما يعادل 70% من قيمة هذه الصفقات وأن ناديا واحدا دفع الثلث فإن ثمانية أندية دفعت ما يعادل 30% فقط من قيمة هذه العقود.!!
وهذا معناه.. أن المستقبل هو للغة المال..!
وأن الاقتصاد.. سيكون المحرك الأساس للرياضة ولكرة القدم لدينا..!
ولا عزاء للضعفاء..! وذوي الدخل المحدود..!
فالأندية القوية ستزداد قوة..!
والضعيفة.. تزداد ضعفاً..!
وأخشى أن يحدث هناك نوع من الفجوة.. بين هذه وتلك ليست في صالح الكرة السعودية.. إذا لم تعالج المشكلة!
أذكر أنني كتبت مقالاً قبل أكثر من عشر سنوات وربما خمس عشرة سنة ـ لا أذكر بالضبط ـ تحت عنوان (أندية الشمال والجنوب).. مستوحياً العنوان من حوار الشمال والجنوب.. بين دول الشمال الدول الكبرى.. والجنوب الدول الفقيرة.. وكنت أرمز لهذه التسمية بالفوارق بين الأندية في إشارة إلى أن الأندية القوية مادياً ستظل المسيطرة على بورصة اللاعبين.. وسوقهم.. وبالتالي تحدث الفوارق بين الأندية الكبيرة والصغيرة التي قد تتلاشى في ظل هذه السيطرة..!
ولابد من حل.. أو بالأحرى عمل يمنع حدوث مثل هذه الفوارق..!
والرئاسة العامة لرعاية الشباب.. لا تملك القرار بل لا تستطيع أن تضع الأندية جميعها.. كأسنان المشط في مواردها المالية (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء).. ولكل مجتهد نصيب!
والمستثمر يبحث عن مصلحته.. ويدرك أين يضع استثماراته.. وكيف يحسب مردودها..!
ولذلك يختلف ما يدفعه المستثمر (الاتصالات السعودية مثلاً) لهذا النادي.. عما تدفعه للنادي الآخر.. وفقاً لعائدها المادي والمعنوي وراء هذا الاستثمار..
هذا العائد يستند على هذه القناة الاستثمارية (النادي) ومدى نجاحها..
ونجاح هذه القناة.. يعتمد على وصولها لأكبر قاعدة من الجمهور المستهدف..
وهذا الجمهور.. لا يأتي إلا من خلال النجاحات التي يحققها النادي والبطولات.
والبطولات لا تأتي إلا بالعمل المنظم..!
والعمل المنظم لا يخرج إلا من إدارات منظمة.. وعمل احترافي..
وعلى هذا الأساس..
إذا ما أرادت الأندية أن تحقق عوائد مادية جيدة من وراء الاستثمار.. عليها أن تدرك أن هذه العوائد.. لا تأتي اجتهاداً.. ولا بالعلاقات الشخصية.. أو المجاملات..!
هذه العوائد.. لا تأتي إلا من خلال العمل الناجح.. المنظم..!
العمل الناجح.. يأتي بالبطولات.. التي تأتي بالجمهور المستهدف الذي يبحث عنه المستثمر.!
ومن هنا.. فإن على الأندية.. أن تبدأ فعلا في ترتيب أوراقها من الداخل..!
وإعادة ترتيب أوضاعها..!
ورسم سياساتها وفق منهجية واضحة.. وعمل احترافي منظم.! من خلال كوادر تسعى لعمل جماعي.. هدفه بناء النادي.. وخدمته ككيان.. بعيداً عن العمل الفردي.. وتقديم الذات كبطل للإنجاز.. وصانع لنجاح ولو على حساب المجموع..!
والله من وراء القصد
للحديث .. صلة
الحديث عن عقود اللاعبين.. لم ينته.. وإن كنا أبحرنا بعيداً عنه.. لموضوع لا يقل أهمية.
الـ70% من قيمة العقود.. التي تجاوزت المائة مليون ريال.. أو قاربتها لا زالت مصدر قلق بالنسبة للمنتمين لهذه الأندية.! خشية أن تذهب أدراج الرياح!! خاصة وأن لغة أرقامها صعبة..! النصراويون قلقون من لاعبهم (رزاق)!! والاتحاديون.. أكثر قلقاً من (نور الدين بخاري).. خاصة وأن كالديرون له وجهة نظر.. منه ومن غيره..
والهلاليون.. بين متفائل باللاعب السويدي كريستيان ويلهملسون وآخر متخوف! وبين قانع بإمكان إعادة استثمار الصفقة.. بعد نهاية العقد..!
ولهذا حديث آخر.. أرجو أن تسمح الظروف والأحداث بطرحه في منتصف أسبوع قادم بإذن الله.
والله من وراء القصد
والحديث عنها.. وحولها لا يمل..
والإبحار في عالمها يقود إلى اكتشاف المزيد من الدرر..!
والخروج بكثير من الدروس والعبر..!
في تحطيم الأرقام القياسية..
في تطويع الزمن.. وتقسيمه..
وإذا كانت طرفة العين.. تستغرق جزءاً كبيراً من الثانية وربما استغرقت أكثر من الثانية نفسها.. فإنهم استطاعوا تقسيم هذه الثانية.. إلى مائة جزء.. واحتساب الجزء كمقياس تفوق لبطل على آخر..!
في صناعة البطل..
في ذوبان الفروق العرقية..
والصراعات السياسية..
في تكوين الإنسان.. وذاته.. وتركيبته الفسيولوجية.. والبيولوجية..
والفرق بين الأنثى والذكر في هذه القدرات..
في عظمة خالق هذا الإنسان.. وقدرته.. التي تتراءى في قدرة مخلوقه.!
سأتوقف.. عند الشاطئ مكتفياً بالنظر إلى الأفق البعيد دون إبحار في المحيط..! وإن كنت أتمنى ذلك.. وأتوق إليه.. وأجد المتعة فيه.
أمامي خياران (في منتصف هذا الأسبوع).. أحدهما يتعلق بالأولمبياد (الحدث).. والآخر.. بموضوع هو في حد ذاته (حدث)!
ـ الأول :
نتائجنا في الأولمبياد.. وعلاقتنا به.. ورغم أن ما حدث حتى الآن يحتاج لوقفة.. سواء من نتائج غير مقبولة.. أو أسباب غير منطقية.. من (نوم بطل!) و(هبوط مستوى آخر).. في الأيام الأخيرة.. و(لا مبالاة).. أو غيرها.. لكنني رأيت تأخير ذلك حتى إنهاء المشاركة ليكون الموضوع أكثر تكاملاً وشمولية.
ـ الثاني :
يتعلق بالشأن المحلي.. وتحديداً عقود اللاعبين غير السعوديين.. وتعاقدات الأندية هذا الموسم..!
وإذا كان الكل مشغولا بالأولمبياد ومتابعته.. إلا أن الأولمبياد.. لم يسطع أخذه عن هذا الشأن وذلك الهاجس الذي سيرتبط به طوال الموسم.. وربما المواسم القادمة!!
أمران.. أو خياران أحلاهما مر!
وهو الخيار الثاني !
ـ يبدوأن أنديتنا لم تتعود على التعامل مع الأمور المالية وتقنين المصروفات.. وإدارتها بصورة صحيحة!
مع العقود المالية الكبيرة توقعنا ولا زلنا نتوقع أن يستفيد النادي ككل من هذه السيولة.. أن يكون هناك تقنين في الصرف.. و(توزيع عادل للثروة).. على بقية النشاطات في النادي من ثقافية واجتماعية ورياضية.. و(الرياضية) هذه أيضا لها تقنين خاص.. وفقاً للوائح الأندية وأنظمتها.. ورسالتها وأهدافها!
من الطبيعي.. بل من المؤكد ألا تتساوى النشاطات ولا حتى الألعاب.. ولكن أن يكون عملية نسبية في التوزيع!
توفرت السيولة.. وازداد الدخل.. وبدأت الأندية تعيش الطفرة.. لكنها ظلت على أسلوبها السابق في الاهتمام بأحياء الشمال ـ إن صحت التسمية ـ والألعاب الراقية.! التي تحت الأضواء.. وأنظار المسؤول.. والبحث عن الإعلام.. وإيصال الخدمات لها.. أكثر من غيرها!!
ولعلي أتساءل.. هنا.. تساؤلاً عابراً دون دخول في تفاصيله.. وربما جاء وقت لهذا الدخول..
هل تستطيع الجهات الرسمية والمسؤولة (رعاية الشباب) أن تفرض.. أو تضع قانوناً.. لتوزيع الثروة في الأندية..؟!
سأترك الإجابة على هذا التساؤل.. لوقت آخر.. وربما مفتوحة..!
تذكرت قصة ـ وما أكثر هذه القصص ـ أولئك الأولاد المحرومون.. الذين كانوا ينتظرون وفاة أبيهم لتقاسم ثروة حرمها إياهم وهو على قيد الحياة..! وعندما هبطت هذه الثروة.. (تفننوا) في اقتناء السيارات الفاخرة.. والاهتمام بالمظاهر.. والتجوال الدولي.. والحل والترحال.. ونسوا التخطيط لمستقبلهم.. حتى إذا ما تبخرت وجدوا أنفسهم في المنزل ذاته.. والوضع ذاته.. وكانت أشبه بحلم أو ذكريات عبر طيف خيالاتهم!!
تذكرت هذه القصة.. وأنديتنا تقع تحت يدها سيولة مادية قابلة للزيادة.. والتنامي.. لكن يظل التساؤل مطروحاً:
هل تستطيع الأندية التعامل مع هذه الثروة؟!
عندما كانت الأندية تعتمد بعد الله على أعضاء الشرف في الدعم.. وخاصة في التعاقدات مع اللاعبين الأجانب كان ترضى وتقنع بما يأتيها.. طالما أنها لا تتحمل التبعات المادية وما يترتب على هذه العقود.. ولذلك كانت نسبة نجاح هؤلاء اللاعبين ضعيفة.. وكنا نلتمس للأندية بعض العذر في ذلك.!
الآن ..
توفرت السيولة.. أو على الأقل بدأت تجري في أيديهم كخطوة أولى نحو التوفر..! لكن بوادر التعامل معها لا زالت تحتاج المزيد من الوقت لتصبح أكثر نضجاً.!
قبل ثلاثين عاما.. ومع بدايات الدوري الممتاز تعاقد الهلال مع اللاعب البرازيلي الشهير آنذاك روبرتو ريفيلينو الذي كان قد أنهى لتوه مشاركته مع منتخب بلاده في كأس العالم 1978 في الأرجنتين، ومع المدرب البرازيلي زاجالو الذي قاد البرازيل للفوز بكأس العالم مدربا 1970 بعد أن قادها لاعباً عامي 1958 و1962.
كانت خطوة ناجحة.. وأثمرت في حينها.. وكان ذلك بمثابة الانقلاب الكبير في مفاهيم الكرة لدينا.. والاحتراف كخطوة غير مسبوقة على مستوى المنطقة.. وكان لها صداها العالمي على مستوى الإعلام.
كان مرتب كل منهما 18 ألف دولار شهريا (ما يعادل 64 ألف ريال).. وقد مثلت هذه الأرقام عبئاً مالياً كبيراً على الإدارة الهلالية عانت منه.. ونأت عن حمله.!
لن أعود بكم لذلك التاريخ.. لكنها نظرة مقارنة فلغة الأرقام تغيرت، وهذا طبيعي.. لكن احفظوا هذا الرقم لاستخدامه بعد قليل..!
وقفزت لغة الأرقام.. من عشرات الألوف إلى المئات.. ومن المئات إلى الملايين.
والقفز.. أو التغير في لغة الأرقام.. سهل على المستوى النظري.. والعددي.. مجرد صفر.. يحتل المكان المناسب.. لتتحول العشرة إلى مائة.. والمليون إلى عشرة ملايين.
وتبدلت لغة العملة.. من الريال.. إلى الدولار.. والآن اليورو..! وأصبح راتب شهر للاعب الأمس يقل عن المرتب اليومي للاعب اليوم..!
هذا القفز السريع.. والمفاجئ.. يبدو أنه أثر حتى على انضباطية العمل لدى البعض..
ثلاثة أعضاء شرف.. أو إداريين ينتمون لناد واحد.. كل منهم يفاوض لاعباً أجنبياً.. والصحافة تؤكد التعاقد مع هذا.. وانضمام ذاك.. والمدرب آخر من يعلم.. وفي النهاية يصبح صاحب القرار.. أو الضحية..!
قلت..
لن أعود بكم لذلك التاريخ.. لكن لنعد إلى الأمس القريب.. بل إلى الموسم الماضي.. وما قبله.. وكيف كانت لغة الأرقام.
إلى عهد تفاريس.. وكماتشو.. والحسن كيتا.. وغيرهم لنتساءل عن هذه اللغة الجديدة.. التي بدأت تظهر في قاموس التعاقدات مع هؤلاء اللاعبين.. وما كنا نستكثره بالأمس.. أصبحنا نستسهله اليوم..!
ولعل نظرة مقارنة بين ما أنفقته الأندية على اللاعبين غير السعوديين في الموسم الماضي.. وما ستنفقه هذا الموسم.. أو ما أنفقته قبل أن يبدأ يعطي مؤشراً واضحاً وحقيقياً على ذلك..!
لا توجد أمامي معلومة دقيقة أو قريبة مما تم إنفاقه الموسم الماضي.. وإن كان البحث عنها ليس ملزماً.. أو ضرورياً لهذه الدلالة.. لكن تكفي لغة هذا العام غير المسبوقة والواضحة كمؤشر نظري.. وعملي على ذلك.
وبلغة الأرقام الموثقة نشرت الزميلة جريدة (شمس) قبل ثلاثة أسابيع قيمة تعاقدات الأندية مع اللاعبين غير السعوديين، فقد أشارت إلى مجموع عقود 28 لاعباً تعاقد معهم 11 نادياً من أندية الدوري الممتاز حيث تراوحت قيمة هذه العقود بين 100 ألف دولار.. و8.4 مليون يورو ما يعادل 13 مليون دولار (أدناها يعادل 1% من أعلاها) رغم أن الجريدة لم توضح مدد العقود لتتضح الصورة أكثر.
قد تكون بعض العقود.. أو بعض اللاعبين يستحق هذه القيمة.. قياساً للصدى الإعلامي.. والمردود الفني أو مستقبل اللاعب.. وإعادة بيع عقده.. واستثماره..! لكن يظل التساؤل.
هل هذه العقود مقبولة ومنطقية..؟!
وإذا كان ما يتحصل عليه النادي من مردود مادي مقابل استثماره من قبل القطاع الخاص.. سيذهب جميعه في قيمة عقد لاعب واحد..!
أو قيمة عقدين أو ثلاثة للاعبين أجانب..!
كيف سيكون تعامل النادي مع بقية اللاعبين.. ومستحقاتهم.؟!
ومع اللاعبين الوطنيين.؟!
ومع نشاطاته الأخرى.!
وعندما أقرت الرئاسة العامة لرعاية الشباب الاستثمار في الأندية.. ووافقت على تولي الأندية استثمار منشآتها.. واسمها.. مقابل عوائد مالية.. إنما كانت تهدف إلى أن تستقل الأندية بخططها وقراراتها وسياساتها المالية!! إدراكاً منها بأن إعانة الاحتراف وإعانة النادي.. لا تفي بالغرض.. ولا بأقل القليل في ظل هذه الأوضاع.. وهي لا تعدو كونها (إعانة) وليست (تغطية مصاريف) ولا يمكن أن تكون كذلك!
كما أرادت.. أن تستقل هذه الأندية أيضاً.. وتخرج من عباءة (هبات) و(عطايا) أعضاء الشرف.. وما تنطوي عليه في بعضها.. وما يترتب على البعض منها.! خاصة وأننا مقبلون على دوري المحترفين الآسيوي.. وأن العصر لم يعد يسمح للاجتهادات.. والهوايات.. بقدر ما يخضع للعمل الاحترافي المنظم.. والمبرمج..!
من هنا.. كان لابد للأندية.. أن تستثمر في الاتجاه الصحيح..!
وأن تتعامل مع هذا الاستثمار.. وهذه المداخيل بصورة صحيحة ومقننة..!
وأن تستطيع الموازنة بين إيراداتها ومصروفاتها.! دون عجز مالي.. أو تضخم..!
ـ وعودة مرة أخرى إلى لغة الأرقام نقلا عن جريدة (شمس) نجد أن مجموع المبالغ.. أو التعاقدات التي أبرمتها الأندية هذا الموسم (150) مليون ريال.. (مائة وخمسون مليون ريال سعودي).
وإن كانت لم توضح مدد العقود.. لتتضح الصورة أكثر.. وقد تحملت أندية الهلال والنصر والاتحاد ما يعادل.. أو يزيد عن 70% من إجمالي هذه العقود.. إذ تحمل الهلال 60 مليونا.. والنصر 28 والاتحاد 22 مليون ريال.
وتحمل ناد واحد فقط.. هو الهلال ما يعادل 40% من إجمالي هذه العقود..
وذهب ثلث هذه العقود.. للاعب واحد فقد هو السويدي كريستيان ويلهملسون.. الذي تعاقد معه الهلال.
وإذا كانت ثلاثة أندية فقط دفعت ما يعادل 70% من قيمة هذه الصفقات وأن ناديا واحدا دفع الثلث فإن ثمانية أندية دفعت ما يعادل 30% فقط من قيمة هذه العقود.!!
وهذا معناه.. أن المستقبل هو للغة المال..!
وأن الاقتصاد.. سيكون المحرك الأساس للرياضة ولكرة القدم لدينا..!
ولا عزاء للضعفاء..! وذوي الدخل المحدود..!
فالأندية القوية ستزداد قوة..!
والضعيفة.. تزداد ضعفاً..!
وأخشى أن يحدث هناك نوع من الفجوة.. بين هذه وتلك ليست في صالح الكرة السعودية.. إذا لم تعالج المشكلة!
أذكر أنني كتبت مقالاً قبل أكثر من عشر سنوات وربما خمس عشرة سنة ـ لا أذكر بالضبط ـ تحت عنوان (أندية الشمال والجنوب).. مستوحياً العنوان من حوار الشمال والجنوب.. بين دول الشمال الدول الكبرى.. والجنوب الدول الفقيرة.. وكنت أرمز لهذه التسمية بالفوارق بين الأندية في إشارة إلى أن الأندية القوية مادياً ستظل المسيطرة على بورصة اللاعبين.. وسوقهم.. وبالتالي تحدث الفوارق بين الأندية الكبيرة والصغيرة التي قد تتلاشى في ظل هذه السيطرة..!
ولابد من حل.. أو بالأحرى عمل يمنع حدوث مثل هذه الفوارق..!
والرئاسة العامة لرعاية الشباب.. لا تملك القرار بل لا تستطيع أن تضع الأندية جميعها.. كأسنان المشط في مواردها المالية (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء).. ولكل مجتهد نصيب!
والمستثمر يبحث عن مصلحته.. ويدرك أين يضع استثماراته.. وكيف يحسب مردودها..!
ولذلك يختلف ما يدفعه المستثمر (الاتصالات السعودية مثلاً) لهذا النادي.. عما تدفعه للنادي الآخر.. وفقاً لعائدها المادي والمعنوي وراء هذا الاستثمار..
هذا العائد يستند على هذه القناة الاستثمارية (النادي) ومدى نجاحها..
ونجاح هذه القناة.. يعتمد على وصولها لأكبر قاعدة من الجمهور المستهدف..
وهذا الجمهور.. لا يأتي إلا من خلال النجاحات التي يحققها النادي والبطولات.
والبطولات لا تأتي إلا بالعمل المنظم..!
والعمل المنظم لا يخرج إلا من إدارات منظمة.. وعمل احترافي..
وعلى هذا الأساس..
إذا ما أرادت الأندية أن تحقق عوائد مادية جيدة من وراء الاستثمار.. عليها أن تدرك أن هذه العوائد.. لا تأتي اجتهاداً.. ولا بالعلاقات الشخصية.. أو المجاملات..!
هذه العوائد.. لا تأتي إلا من خلال العمل الناجح.. المنظم..!
العمل الناجح.. يأتي بالبطولات.. التي تأتي بالجمهور المستهدف الذي يبحث عنه المستثمر.!
ومن هنا.. فإن على الأندية.. أن تبدأ فعلا في ترتيب أوراقها من الداخل..!
وإعادة ترتيب أوضاعها..!
ورسم سياساتها وفق منهجية واضحة.. وعمل احترافي منظم.! من خلال كوادر تسعى لعمل جماعي.. هدفه بناء النادي.. وخدمته ككيان.. بعيداً عن العمل الفردي.. وتقديم الذات كبطل للإنجاز.. وصانع لنجاح ولو على حساب المجموع..!
والله من وراء القصد
للحديث .. صلة
الحديث عن عقود اللاعبين.. لم ينته.. وإن كنا أبحرنا بعيداً عنه.. لموضوع لا يقل أهمية.
الـ70% من قيمة العقود.. التي تجاوزت المائة مليون ريال.. أو قاربتها لا زالت مصدر قلق بالنسبة للمنتمين لهذه الأندية.! خشية أن تذهب أدراج الرياح!! خاصة وأن لغة أرقامها صعبة..! النصراويون قلقون من لاعبهم (رزاق)!! والاتحاديون.. أكثر قلقاً من (نور الدين بخاري).. خاصة وأن كالديرون له وجهة نظر.. منه ومن غيره..
والهلاليون.. بين متفائل باللاعب السويدي كريستيان ويلهملسون وآخر متخوف! وبين قانع بإمكان إعادة استثمار الصفقة.. بعد نهاية العقد..!
ولهذا حديث آخر.. أرجو أن تسمح الظروف والأحداث بطرحه في منتصف أسبوع قادم بإذن الله.
والله من وراء القصد