هل من الممكن أن يصف صحفي قدير نفسه بوصف (الجبان)؟ أعتقد الإجابة ستكون بالنفي القاطع حتى وإن كانت فيه هذه الصفة، زميلنا العزيز العملاق في خلقه ومكانته الصحفية وروعة عطائه (على فقندش) فاجأني أثناء مناسبة رمضانية أقامها عضو الشرف الاتحادي (شادي زاهد) في متحف عبدالرؤوف خليل بهذه الإجابة على علامات استفهام وتعجب تخص (غياب) الصحافة الفنية هذه الأيام تحديدا ومنذ فترة عن أداء رسالتها في توجيه النقد الهادف والبناء لشركات الانتاج والقنوات الفضائية لما عرض في الشهر المبارك من أعمال درامية (رديئة) جدا مذكرا بأيام زمان حينما كانت الصحافة الفنية في عز توهجها تؤدي من خلال القائمين عليها رسالتها القيمة نحو المجتمع وكان لها دور كبير في (الارتقاء) بالفن على مختلف أنواعه وأيضاً بالعاملين فيه والمنتمين إليه من خلال آراء نقدية صنعت وأوجدت فناً (محترماً) رغم العوائق التي كانت تواجه الفنان آنذاك والرؤية (الدونية) الذي كان يعاني منها اجتماعيا في تلك الفترة.
ـ رد علي (أبوسيف) كما يحلو له أن يلقب بهذا الاسم في لحظة صفاء مع الذات وتسامح مع علاقة تربطني به من عقدين ونصف تقريباً بـ(اعتراف) صريح يتفق معي بأن ما عرض هذا الموسم بعد وجبة الإفطار على شاشات القناة الأولى السعودية لـ(حسن عسيري) وبقناة الـ(م بي سي) عبر برنامج (واي فاي) وفي قناة روتانا خليجية عن طريق الفنان فايز المالكي من أعمال درامية توصف بـ(الكوميديا) فيها ابتذال وإسفاف، ومن أسوأ ما قدمه الممثل السعودي منذ نشأة الدراما السعودية للأسف الشديد، وبسب هذه الرداءة فضل الاكتفاء بالأجزاء الذي تابعها ثم امتنع عن مشاهدة بقية الحلقات.
ـ هذا الاعتراف من صحفي مخضرم له اسمه الكبير في عالم الصحافة الفنية لم يقنعني كشخص(متذوق) للفن و(غيور) على مجتمعه، وسبق له أن خاض تجربة النقد في المجال الفني على مدى عقد كامل إذ اعتبرته (هروباً) من الاجابة فطرحت عليه سؤالا مباشرا، مادام تتفق معي ولديك هذه القناعة، لماذا لاتكتب وتنتقد هذه الأعمال (السخيفة) وتقوم أيضا باستطلاع للرأي العام حيث إن مثل هذا (الصمت) من قامة إعلامية كبيرة (متخصصة) مثلك ولها تجربتها الطويلة لا يعتبر (تقصيراً) في العمل المهني فحسب، إنما أيضا يشجع هؤلاء المنتجين شركات وفنانين والقنوات الفضائية والكادر الفني على الاستمرار في هذا النهج وتقديم الأعمال (الهابطة) وغزو السوق بها إضافة إلى (جريمة) ترتكب في حق أطراف كثيرة تشترك في تقديم أعمال (تهريج في تهريج) من مؤلف وممثل ومخرج ومنتج وقناة ناقلة، ناهيك عن إفساد لـ(الذوق العام) وما ينتج عن هذه (الفوضى) من جيل شباب (موهوب) في قنوات الـ(يوتيوب) ربما سوف يسلك نفس النهج من باب (التقليد) وإن كنت قد شاهدت محاولات لابأس بها للبعض وإن كان يعيبها أيضا ضعف في (الحبكة الدرامية) وغياب مخرج متخصص يستطيع توظيف هذه الطاقات وتنمية موهبة التأليف والتمثيل في الاتجاه الصحيح.
ـ أجابني صديقي على فقندش على طريقة مقدم برنامج (في الصميم) المبدع (عبدالله المديفر) الذي يقول في نهاية الحلقة سجلوا على لسان فلان بن فلان أهم إجاباته، حيث قال (أبوسيف) لن أكتب ولن أنتقد وقول عني (أني جبااااان)، وكررها أكثر من مرة، فقلت له سأكتب ذلك يا صديقي العزيز، فلم يمانع مع يقيني التام من خلال معرفتي بشخصيته أنه يملك (الشجاعة) الأدبية ولكن يبدو أن في (فمه ماء) بحكم قربه من دهاليز الوسط الفني وعلاقاته المتميزة بالفنانين قبل على نفسه تلك الصفة من منظور الملل الذي أصابه أو (الإحباط) الذي تغلغل في أعماقه، وأن هناك جوانب (تتحكم) في صناعة الانتاج الدرامي السعودي والعربي عموماً من الصعب الإفصاح عنها وأن أي (نقد) لن يجدي في تغييرها أو الحد منها، ولهذا أرى أن عبارة الفنان عادل إمام في مسرحية شاهد ماشفش حاجة (دنا غلبان) هي الإجابة المناسبة لشاهد ماشفش حاجة.