في هذا اليوم المبارك تختفي من رأسك كل فكرة لها علاقة بمغريات الحياة وملهيات دنيا فانية وأنت تعيش حالة من التأمل في جمع هائل من المسلمين أتوا من كل فج عميق ليشهدوا يوم (عرفة) مُحرومين بضم حرف الميم ملبين لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام تبحث عن نفسك في المشهد الروحاني الغائب عنه وعن كلمات تعبر فيها عن رغبة تواجدك والتحامك مع هذه الحشود المؤمنة برب عظيم تعجز الحروف عن وصف حجم (اشتياق) لا حدود له لأماكن مقدسة هي عن كل الأماكن الأخرى في هذا العالم، فيكون الصمت حلواً أو جميلاً.. وخيار لا يوجد أفضل منه وأنت تسترجع بذاكرتك قصيدة (القلب يعشق كل جميل)، إن قرأتها أو سمعتها بصوت (كوكب الشرق) فإنك بدون أدنى شك سوف تهتز مشاعرك عبر أمينات تختلج صدرك من خلال (آهات) تقفز من فؤادك وأنت تناجي رباً كريماً بأن يمنى عليك بالصحة والعافية وطول العمر لتكون في الموسم المقبل أو الذي يليه أو (يلي بعده) وأنت في ذلك الموقف العظيم ومن بين من حفهم (سبحانه) بواسع ثوابه ومغفرته. ـ حينما هممت بكتابة هذا المقال لم أجد أفضل من قصيدة الشاعر (بيرم التونسي) تكفيني بنشرها في همس يتناغم مع مشاعركم كتابة رأي لن يصل إلى وجدانكم إلا أن عنوان القصيدة (القلب يعشق كل جميل) قادني إلى سؤال عن (عبقرية) شاعر في اختيار مثل هذا العنوان مع أن مضمون عام القصيدة المتأمل لمفرداتها ومعانيها يلاحظ أنها تغوص بنا في أعماق (روحانية) ليس لها أي علاقة بجمال عادة ما نبحث عنه في قصائد (الحب والمغنى) وهنا وجدت نفسي (أعوم) سابحاً مع ذكريات الماضي الجميل، وأول قصيدة (غنائية) شدتني لسماع صوت الفنانة الراحلة (أم كلثوم) -رحمها الله- وأنا الذي كنت من أشد غير المعجبين بصوتها معارضاً أخاً لي كان (يتسمر) أمام التلفاز من أجل مشاهدة (الست) والاستماع إلى أغنيتين فقط كانت موجدتين في أرشيف تلفزيوننا العزيز، وهما (فكروني وأروح لمين).. إلا أن أغنية (القلب يعشق كل جميل) كانت بالنسبة لي (نقطة تحول) لأذوب في جمال هذا الصوت وجمال كلمات فجرت عندي طاقات مواهب ارتبطت بـ(الكلمة) وعالمها الجميل على أنني أصدقكم القول أنه في ذلك الوقت لم يخطر في بالي ذلك السؤال الباحث عن فلسفة شاعر وعمق في اختياره لعنوان بليغ جداً لقصيدة أيقظت الحب في داخلي وحركت قيمة الجمال في مشاعر اندمجت مع (نص) شعري لا أنكر أنه علمني معنى (التذوق) للكلمة ولكل جميل يجذب إليه القلب. ـ الغريب أن قصيدة (القلب يعشق كل جميل) والتي أسرتني كلماتها، وكانت سبباً في أن أصبح (مغرماً) بصوت لا يوجد له مثيل أنها أم كلثوم ظلت محتفظة بها ولم تغنيها إلا بعد (10) أعوام، ولا أدري ما هو (السر) الحقيقي الذي منح أم كلثوم ذلك الصبر وتلك الأعصاب التي سمحت لها بأن تنتظر كل هذه السنوات لتغني كلمات قصيدة من أجمل وأفضل وأروع أغانيها ولكن قد يكون لجمال (التذوق) عندها دور مهم حول اختيار (الملحن) الذي يترجم معاني تلك الكلمات بروحانية شاعر (تجلى) في كتابة قصيدة تقول أبياتها الأخيرة: يا رب حبايبنا ينالوا ما نلنا يا رب توعدهم يا رب واقبلنا دعاني لبيته لحد باب بيته ولما تجلى لي بالدمع ناجيته أترك للقارئ الكريم حرية (الاستمتاع) لقصيدة (القلب يعشق كل جميل) فقد يشاركني نفس المشاعر وربما تكون له (قصة) مع هذا الإبداع و(جمال) نحمد الله ونشكره بأن وهبنا هذه الأرض الطاهرة التي نعشقها ونعشق مقدساتها بكل ما تحتويه من جمال يغطي أرواحنا بعبادة رب كريم.