وتدفق التفاصيل يضع المهنة في لحاق بـ "ما"، تلك التي تميز الوسيلة عن الأخرى، بمعنى أن الصحافة في زمن الشح نحتت في صخر المعلومة، وتبارت كبريات الصحف على أن تقدم كأس عالم مدللة برؤيتها، وبمنطق كونها الأكثر انتشارا في مزايدات مستمرة لا تتوقف، فيما الآن لا صخر للنحت سوى أن تتقن الصحيفة قصة ما تعض عليها بنواجذ عدم المتاح وأشك في ذلك، لكون الوسيلة تتلقف الوارد ولا تفلتر بتعب، ولأنها تدرك أن مسافة السباق باتت أطول من قدرة تصب في منطق ما يتقشف، وبما في ذلك الزهد في أن لا تسهب، وأن تجيد الانتقاء، أتحدث عن وسيلة ما، لم ترافق ولا تحضر ولا تبتعث الميداني وتكتفي بشراكة الوكالة أو حامل شنطة قد يزود الصحيفة بخاص يجعلها تقدم خدمة إن تستطيع دفع التكاليف، غير أن المتاح أكثر من "المخشوش"، وفق ما نتواصل وننصت ونتلقى فضائيا من باب عاجل.
والذي يرتكز عليه المقال أن الصحف العربية بما فيها من أقسام رياضية ترتب البيت من الداخل وفق المتاح القليل، وطعام ما يخبز على مضض لتأتي تغطية مونديال البرازيل أشهى مع اختلاف مشرب القارئ وتعدده وسياق ألا تتكبد الصحيفة مال طباعة ورق لايعادله إعلان، ولذا قلت لا صخر للنحت طالما العين أطول من اليد وترصد كافة الأشياء أولا بأول، وهذه حكمة ما يعتقدها المُرشد، ولا يعتنقها الصحافي الذي يأمل يوميا في طعام مبكر ورزق خبر أو قصة خبرية تميزه في صالة التحرير، وتضع صحيفته أهم سيدات الصباح في فاترينة الناس.
توقيت بعض المباريات حالك، قد أول بأول " التواصل " يأكل كتف الصحيفة، ومن لم تبعث مراسلها تستجدي، فالشركاء لا يقدمون الوفاء الكامل، ومن هذا كله لا أستبشر بتغطية صحافية عربية تضيف أكثر من التركيز على اللحاق بنتيجة المباراة، وهذه متاحة أيضا، وهنا ما أختلف عن وسيلة زمان والآن، ولو عدت بذاكرتي وفق تراكم المهنة لما كان التعب لقلت الكثير، ولكنه الآن المتاح ولا يتم التخديم عليه بالشكل الذي الذي يدعو لنهم القراءة، هذا ليس التقليل بل واقع الأمر الذي اختلف لتعدد اتجاهات ناقل الخبر ومتعاطيه ومن يخبر أولا بأول وفق تقنية لم تعد تترك للورقية إلا أن تصنع قصتها الخبرية الخاصة، وبفكرة كهذه قد تبقي للقارئ ما يرتاد، وما يميزها عن المتاح وبالمجان.
ومن فكرة أن الصحيفة لها موقع " نتي " هي أيضا تسهم في هذه الهجرة " لاستعجال الأشياء " فيما تواكب أخرى لها ذات الخدمة، ولكن لا هذه " خبطت " وتلك " انخبطت "، وأقصد التأثير في سياق تخفيف الزحام على مجيء القارئ طالما يرى أكثر، ويغرد بهذا الكم من التواجد الذي يتلاسن " لايف "، وينقل الأزمة أولا بأول، وهذه الإشكالية تواجه الورقية مرتين وفق تكاليف ما يدفع وسياسة ما يرشد ولكنه في الأخير يدفع الأجور ولا يغطي إعلانيا فيما لا أرقام تذكر لدي في هذا السياق إلا بعض مؤشرات لاتعلم أي مكاتب " البيع " تتقن دقتها من عدمها، الجيد في الأمر أن العالم سيهدأ وسيشاهد كرة القدم، وستكتب الورقيات دون شك ما لا يعطل الصدور، وفق حنكة من يفعل ماذا وإلا أغلقت الصحف دكانة الوراق.. لابأس.. أليس كذلك؟ إن الذي يحدث التسلية أكثر كون موعد كأس العالم يتوافق مع جزء كبير من رمضان، والناس يسهرون، ولكنه في الجانب الآخر قد لايذهب بهم لـ " بقالة " الصحيفة، ومثل هذا البعد في زاوية الأمر يزيد النحت في الصخر المتاح، واكتشاف طرق أذكى للصحف العربية لأن تبيع ما طبعت، أو تكتفي بمواقع أن تخبر بالمجان ما خبزت للناس من قوت إفطار صائم وهذه بلغة التكاليف مرهقة، وبلغة العائد المالي منهكة ما لم يأت " شاطر " الإعلان أذكى ويستجلب ما يغطي التكاليف مبكرا، ففي وقت سابق من كؤوس العالم تربح الصحف العربية لكثرة الإعلان، وترفع عدد صفحات الصحيفة ولا تلحق المال لكثرته، فيما السنوات القريبة الأخيرة شح الأمر، وتحول الورق إلى مكلف، والصحيفة إلى " تعاني" وقل الكادر وإن تدفقت المادة الصحافية التي تبث من قبل وكالات أنباء تبيع التفاصيل والصورة والجرافيكس من باب الحقوق، ما يأتى معه عدم الخاص أو أن تبعث الصحف بميدانيين أكثر لتغطية الحدث ولكنها لاتفعل، فما بالك والمنتخبات العربية في المونديال غائبة ونشجع البرازيل، ولا يتواكب مع مادة النشر محتوى محلي رياضي قد يكترث لأمره القارئ.
هذه المعاناة تواجه الصحف العربية التي دون شك قد تزيد من مساحة حركة أقسامها الرياضية على حساب أقسام أخرى لتوافق الترشيد، وتلاحق المعلن، وتقدم ضيافة ما ـ لبخيل يقرأ ـ ويفضل المجان على "ريالين" الصحيفة، وفيما قد أكون مخطئاً ونظرتي لاتستبشر الأرباح أبقي خطة رجعة: إن كأس العالم سباق مسافات طويلة لصحف عربية انشغلت في أغلبها بأحداث سياسية ولم تعد تذكر ملعب كرة القدم، بل قد يكون الأمر موسم تنشيط لأقسام خدماتها الإعلانية التي قل إنتاجها طوال أحداث ما يرتبك وبالتالي إنتاجها في جانب الرياضة، فيما الفرصة مواكبة لأن تشغل الناس بالبرازيل وصيف سلعة ما هي الأفضل والأجود طالما أغلب متعاطي الرياضة الشباب من باب التسويق.