|


علي الشريف
الركل بالنكتة
2010-01-04
.. كم نكات كبير استهلكه السعوديون أمس وأمس الأول، حيث صدر المدرج الرياضي العديد من التعليقات التي تثير ضحك أنصار على آخرين، وجماهير مشجعة على حساب نظيرتها، ماجعل الأمر يطرد.. كون المواطن بات مهموما، ولعل عامنا الذي مضى كان أشبه بتناوب الصدمات، من كارثة تلو الأخرى - والحمدلله على قضاء الله وقدره، غير أن مطلع هذا العام جاء مبشرا بسعادة أكثر وبنكات، وبكون الهلال خسر أمام النصر.. الذي فرح بهذا الفوز كثيرا وفق كم الرسائل الذي تلقيته على جوالي من جوالات أصدقاء، ليقول إن كرة القدم تعطي أكثر من غيرها، سواء على صعيد المال والأعمال، أو على صعيد اهتمام الشعب أو حتى على مستوى اهتمام الأنظمة في الدول العربية، من خلال تفريغ طاقات وماشابه ذلك !
.. أمر آخر يشير إلى كون النكتة لازالت سارية المفعول في التعبير عن الهم العربي، أيا كان ومتى كان، بل صارت فعلا جماعيا يشير إلى فرح أوسخط الجماهير، بل وإلى حوار حضاري لدى البعض، ونقيض لدى بعض آخر، لكن المشهد برمته يشير إلى سرعة بديهة ومساحة كوميدية لدى المواطن العربي الذي عانى ويعاني وبالتالي صار يعبر عن رفضه للأشياء من خلال هذا التفريغ، وأحيانا هذا التقريع.
.. وفي وقت لم تكن شركات الاتصالات العربية منحى الرياضة، كان الأمر يأتي سماعيا أو عن طريق فن الكاريكاتير في الصحيفة، ولكنه تحول إلى فن اختصار الوقت بفعل التقنية، فالنكتة تصلك بعد لحظات من نتيجة المباراة فيما كانت في السابق (تطبخ) على نار هادئة ولمدة يوم حتى تطبع الصحيفة، واختلف الأمر الآن مع تطور التقنيات وكثرتها من محركات بحث ومواقع ومونتديات، وأشرطة تلفزيونية إخبارية مرئية (لتعلم أكثر)، لتأتي شركات الاتصال (لتكسب أكثر)، ما جعل كل مباراة (ثروة)من كافة النواحي، سواء تسويقية أو حتى (سواليف) بمقابل، وبحجم جمهور المدرج والآخر، ولا تعلم مصدر النكتة فهي تأتي وفق سند (وارث عن وارث) أو وفق (تحوير) أو من خلال استنساخ نكات أخرى، أو حدث ما.. وهكذا، ولكنها تدور في محرك جوالك بعد ثوان فقط من المباراة، لترفع ضغطك وسكرك أو لتحيي فيك بث نكات كانت وصلت إليك، ولكن الأمر في الأخير (كلام بثمن)، وسواليف بريالات وجنيهات ودراهم وأحيانا دولارات، وهذا وفق نعمة كرة القدم التي تطورت كثيرا في مفهومها لدى الشعب العربي من كونها في البدء - للسرابيت - ثم للفقراء - ثم للأنظمة، ثم باتت ثروات وجمع أموال لتصبح في الأخير كمرحلة جديدة مال وأعمال.
... ولو ذكرت ماسرد من نكات بعد الهلال، أو الاتحاد، أو النصر، أو الأهلي، لأبلغتك أن ثقافة ووعي الشعب السعودي تشكلت إلى الأفضل، وفق هذا الحس في اقتناص التعبير الدقيق لوضعه كمواطن.. ووضعه كرياضي، بل وحتى صياغته لعبارات غضب مؤجلة من فوز ناد على آخر، ما يوحي بذائقة تحولت وتطورت للأفضل، وإن كانت لاتخلو من لسعات النحل الصفراء والزرقاء والسوداء والخضراء، وهي ملخصات ألوان الأندية الكبار في السعودية كإرث تاريخي، وجماهير تجعل شركات الاتصال تكسب وتسوق حتى وسائل الإعلام نشرا وتوزيعا.
.. وبالتالي صارت هناك مباريات (كلامية) تصاحب تلك الفعلية على أرض الملعب، ولكنها تأتي في سياق مابعد المواجهة، ويكون (الحظيظ) من كسب لامن خسر، كون الأخير لن يرد وسيكتفي (بالوعيد والتهديد) فيما بين الجمهور والآخر، وقلة قليلة جدا من تصمت ولا تعلق، ولا تدعوك إلى أن تراجع (دفاتر) التاريخ من حيث مرات عدد الفوز والخسارة إذا ما أثارت حنقة نكتة ما، أو سياق نص كلامي وصله طازجا عبر الجوال فيما لم يكن أصلا شاهد المباراة، لاسيما وأن شركات الاتصالات في أغلب الدول العربية تقتحم منزلك وكرامتك وهدوءك، وحتى صلاتك وفق رسائل تبلغك أنك مخترق، وأنك (موجود) على كافة محركات البحث، وفق قوقل وفيس بوك، وجوال هذه الشركة أو تلك من أجل أن تكون حياتك أكثر (ليونة).. ومصروفاتك أكثر (مهولة).. أشكروا كرة القدم فهي نعمة ما بعدها نعمة وبالذات لدينا نحن شعوب (النكتة).. إلى اللقاء.