استلقى على أريكته قضاء للقيلولة كعادته اليومية لينفض غبار تعب السنين الذي أنهك ظهره بعد أن مارس مشرط الجراح فيه ما مارس متأملا حال طفلته " هيا " ذات الربيع السادس التي تحتاج لفحوصات طبية وفي غمرة هواجسه التي تبحر به ذات اليمين وذات الشمال ما بين ماض تليد وحاضر جميل ومستقبل يد الله تتصرف به " رنّ " هاتفه الجوال برقم مميز وهو الذي لا يرد على الاتصالات العشوائية المزعجة وحين أجاب الهاتف اعتدل في جلسته وبدأ الاستماع: "أخي صالح أنت أسطورة من أساطير كرة القدم السعودية وأحد النماذج التي نفتخر بها فقد كنت قائد الصقور الخضراء لعقد من الزمان وخلاله كم أفرحتنا وكم أسعدتنا ونحن لو نسي التاريخ ولن ينسى لن ننسى أنك ضحيت من أجل شعار بلدك ومن أجل رفعته حتى نزفت الدماء من جبينك مختلطة بالعرق ولعبت في أحلك الظروف وأصعبها "
ظل صالح يستمع للمتصل بحاسة السمع فقط فقد ذهب فكره بعيدا واستعرض في ثوان معدودة شريط ذكريات المجد وقال في نفسه: "أخيرا جاء التكريم بعد أن كدت أصاب باليأس " ثم توقف عن " السرحان بعد أن تغيّرت نبرة صوت المتصل وأصبحت تأخذ طابع الرسمية والجدية " من هذا المنطلق ياكابتن العرب معي الآن بطاقة دعوة لك من معالي وزير النفط لحضور افتتاح ملعب مدينة الملك عبدالله وحضور المباراة الختامية على كأس الملك التي سيشرفها خادم الحرمين الشريفين " وقبل أن يكمل المهاتف مهاتفته نطق فؤاد صالح قبل لسانه " نعم موافق وأتشرف بذلك ويكفي فخرا أنني سأشاهد والدي الملك "
استمرت المحادثة لدقائق لتوضيح الترتيبات اللازمة وتم إبلاغه بالحضور عند الساعة الثانية والنصف ظهرا في صالة الطيران الخاص في مطار الملك خالد
لم يفكر صالح طويلا بل توجه لفلذة كبده وأعلمها أنه مضطر للسفر لجدة يوم الخميس وسيعود في نفس اليوم على أن يحجز لها موعدا آخر لفحوصاتها حتى يتسنى له الذهاب معها وأبلغها بأنه لا يريد أن يذهب بها " فهد " للمستشفى بل هو من يريد ذلك حينها ابتسمت " هيا " وهزت رأسها بالموافقة.
في الموعد المحدد ذهب للمطار واستقبل بالسلام والابتسامات وغادرت الرحلة " الخاصة " إلى جدة وكانت كل الأمور تسير في انتظام وترتيب دقيق حتى الوصول للجوهرة هناك فقط أهدرت كرامة التاريخ، لقد رفض القائمون على الحفل دخوله رغم أنهم سلموا عليه بحرارة ورغم أنه يمتلك بطاقة الدعوة بين يديه ومعه تذكرة الدخول للملعب.
كثرت التبريرات وكثرت الأعذار وطالت المسألة بين اتصالات متقطعة وذهاب وحضور حتى بدأت المباراة وبدأ الاحتفال فأخرج وذهب يسحب قدميه بقلب يتقطع وحسرات يغص بها قلبه وطعمها أمر من الحنظل في حلقه وصل قرابة الحافلة وافترش الرصيف وهاجت في فكره الذكريات ثم سالت دمعة حرقى مسحها بطرف عمامته حتى لا يراها من تعاطف معه وجلس بجواره ممنوعا أيضا ثم قال في نفسه مسحت عرقي بنفسي ومسحت دمي من جبيني من أجل شعار منتخب وطني والآن أمسح دمعتي من فعل أبناء وطني.
الهاء الرابعة
الدمع ماهو عيب روح علم اللي
يقول ما عمره بكى في حياته
الدمع ما يقطع صلاة المصلي
والضحك مثل إبليس يقطع صلاته