|


فهد الروقي
“ التعامل سمة “
2014-04-15

كان لحكيم صيني أربعة من الأبناء، وأراد يوما من الأيام تلقينهم درسا، فسألهم سؤالا، وطلب منهم الإجابة عليه بعد شهر كامل. وبرغم سهولة السؤال وجماله في الوقت ذاته، ورغبتهم للإجابة بسرعة إلا أنه رفض أن يجيبوا إلا وفقا لشرط أبيهم والمدة التي طلبها. ربما يتساءل البعض ما هو السؤال؟ ولماذا طلب الأب من أبنائه أن يجيبوه بعد شهر كامل. أعذروني. لن أجيبكم الآن، ودعونا نؤجل ذلك حتى نهاية المقال، ودعونا نناقش أمراً آخراً.



منذ فترة وأنا أحاول أن أراقب المشهد الرياضي في السعودية، وأراقب العلاقات الإنسانية التي نتبادلها عبر هذا المشهد. وجدت أمورا كثيرة، اسمحوا لي أن اتشارك معكم بعضها. من المحزن جدا أنني وجدت أن البعض قدم الشأن الرياضي والكرة والتشجيع والميول والنادي الذي يحبه على علاقته بمن يحب أو بمن يعرف سواء داخل المشهد الرياضي أو خارجه. ومن المحزن أيضا أنني وجدت أن هناك من لديه استعدادا لتحطيم شخص آخر فقط لأنه لا يوافقه الرأي أو يعارضه أو حتى يختلف معه في الميول.



أصابتني الدهشة وأنا أرى البعض يقطع علاقته بصديقه لأن فريقه خسر أمام فريق صديقه واحتدم بينهما النقاش على صحة الهدف. استغربت كثيرا وأنا أسمع ألفاظا خادشة للحياء يتفوه بها شباب صغار لم يتجاوزوا الرابعة عشرة بحق لاعب لم يعرفوه شخصيا، فقط يتابعونه عبر الشاشة، فقط لأنه يلعب في النادي المنافس لناديهم.



بل المحزن حقا أن المسألة ليست على مستوى أفراد فقط، بل تجاوزت ذلك إلى الأندية والكيانات الرياضية بأكملها. هل بالفعل يمكننا أن نصدق أن يتآمر كيان رياضي بأكمله ضد كيان آخر؟ إن مجرد التفكير في هذا الأمر يصيبني بالحزن فعلا، فكيف وهو واقع في بعض الحالات في مشهدنا الرياضي ..



إن التعامل الإنساني الصادق والمحب الذي افتقدناه في كثير من جوانب مشهدنا الرياضي يعد انعطافة حقيقية في سلوكنا الإنساني. هذه الانعطافة يبدو لي إنها حادة جدا .. وهي بالـتأكيد تؤثث دواخلنا بالخراب والمشاعر السلبية ، بل وتدفعنا إلى مناطق موغلة في الإساءة إلى أنفسنا قبل أن تكون مسيئة للآخرين. إن رقينا الإنساني وتعاملنا بإنسانية منبثقة من القلب هي المؤثر الحقيقي في علاقاتنا في الحياة، والمشهد الرياضي أولا وأخيرا هو جزء من الحياة. إن رغبتنا الفعلية والحقيقية ليكون الواحد منا أفضل وأرقى تتطلب منا أن نبذل جهدا أكبر في إثراء علاقتنا بالآخرين بالمزيد من التفهم والتسامح والحب والعقلانية في التعامل واعتبار الرياضة جزءا من الحياة وليست كل الحياة. الرياضة ينبغي أن تكون جانبا مضيئا في حياتنا يدفعنا للمزيد من التشارك والتفاعل فيما بيننا.



أعود معكم لسؤال الحكيم لأبنائه الأربعة. سألهم الحكيم عما إذا كان كل واحد منهم قادرا على أن يكون هو الأخ الأفضل بالنسبة لكل واحد من إخوته الآخرين؟ واشترط الوالد "الحكيم" أن يجيبوه بعد شهر كامل ليكون أمامهم الوقت الكافي ليختبروا سلوكهم وتعاملهم مع بعضهم البعض، وأيضا كان هذا الشهر فرصة لكل واحد فيهم ليرتقي بسلوكه وتعامله. ليسأل كل واحد فينا نفسه هذا السؤال فيما يخص علاقته مع الآخرين من حوله، ولنجب عليه ولكل بعد شهر من الآن.



الهاء الرابعة

قل الوفا ياناس في وقتنا السَيْ

وصارت مع الايام عندي قناعه

من لا نفعني في حياتي وانا حَيْ

لا مِتْ ما ارجي من وراه الشفاعه