قبل ثلاثة عقود تقريبا كانت وسائل الإعلام محدودة ووسائل التواصل الحديث معدومة تماما وكان متذوقو الشعر يبحثون عنه في كل مكان والشاعر المبدع تصل قصائده وتتناقلها الركبان وتدور في مجالس السمر قبل أن يعرف الشاعر اسما أو شكلا.
ومن يستطيع من الشعراء الوصول لأحد البرامج المهتمة بالشعر سواء كانت تلفزيونية أو إذاعية في السعودية أو في الكويت وقطر فإنه يدخل للناس من الباب الكبير ولا يحضر لتلك البرامج إلا شاعر جهبذ صهرت موهبته سنوات طويلة وحفظت قصائده كلها أو بعضا منها والسعيد منهم من يجد عند ( الرواة ) شيئا من القابلية على اعتبار أن الرواة في تلك الحقبة يمثلون دور النقاد وفق قاعدة النقد البسيطة ( الانطباع الأولي وفق الذائقة الشخصية )
في الثمانينات الميلادية ازدهر الشعر النبطي وبلغ ذروة سنام المجد مع ظهور المجلات الشعرية المتخصصة وكانت الكويت الوجهة الأولى للشعراء إعلاما ومناسبات بأماس مخصصة للشعر أو احتفالات وأعراس يتبارى فيها الشعراء بجديد ( معنى ومبنى ) وظهر التجديد في الشعر كمفردة أو تصوير خيالي حتى بات الشعراء أعلاما على رؤوسها نيرانا ولم يحصلوا على ما حصلوا عليه إلا لأنهم اهتموا بموهبتهم أكثر من اهتمامهم بأي أمر آخر فاحترموا الشعر واحترموا متذوقيه
أما الآن ومع كثرة وسائل الظهور سواء عبر القنوات الشعرية - رغم أنها شوهت الموروث والشعر من محتوياته - اكثر من أنها خدمته ومع كثرة البرامج الشعرية الفضائية ومع تعدد وسائل الإعلام والظهور ومع الثورة التقنية الهائلة في وسائل التواصل الاجتماعي إلا أن جل الشعراء لم يهتموا بشعرهم بقدر اهتمامهم بأمور هامشية أخرى فهم لا يتعبون على قصائدهم تطويرا وصقلا وبمجرد أن يكتب بيتين يسعى للشهرة ويصنف نفسه من كبار الشعراء فلا يريد مزاحمة على عرشه الذي ارتضاه لنفسه ومن النادر أن تجد شاعرا من شعراء هذا الجيل يحفظ من عيون الشعر القديم أو الحديث شيئا وبالكاد يستطيع حفظ بعض قصائده وليس كلها وأصبح غاية طموحه ( لقب شاعر ) " يترزز " بهذا اللقب كطفل وجد لعبة جديدة وسيأتي اليوم الذي يملها فيه ويرميها وحين يشتاق لها مجددا يبحث عنها وهكذا دواليك تستمر اللعبة بين الطفل واللعبة والشاعر ولقبه الكبير
ففي الوقت الذي تفاعل فيه الشعراء الأوائل بحوادث الأيام وتقلباتها وهموم المجتمع الذي يعيشون فيه فأرخوا بقصائدهم الأحداث وتناولوها شرحا وتفصيلا يبرع شعراء الجيل الحالي في أمرين ( وصف الحبيبة وهجرها ) والبحث عن الشهرة بأسرع الطرق وأسهلها لدرجة أن كثيرا منهم توجه للساحة الرياضية طمعا في جماهير الأندية وفي نجومها ولعمري أن في ذلك ( تقزيم ) للشعر وتشويه له ففي الوقت الذي كان الناس يذهبون في طلب الشعر والشعراء بحثا عنهم جاء هذا الجيل من الشعراء بحثا عن الناس وطلبا للشهرة السلبية وليت الأمر اقتصر على إعلان الميول - هذا حق من الحقوق - أو التغني بفريق معين بقصيدة لمناسبة معينة لكنه تطور وأصبح بعضهم بارعا في المناكفات وفي النيل من الآخرين وفي تقزيم المنافسين والنيل منهم والبعض الآخر تحول بقدرة قادر إلى نقاد رياضيين يوجهون النصائح لكبار المدربين وخبراء التحكيم وصناع القرارات فتهافتت الألقاب الرياضية عليهم كشاعر الهلال وشاعر النصر والاتحاد والأهلي
وربما يأتي اليوم الذي نسمع بشاعر رأسية ياسر وشاعر تسديدة السهلاوي وشاعر مهارات نور وشاعر سرعة تيسير
لكن الأكيد أنهم أصبحوا يشوهون الشعر.
الهاء الرابعة
يا ليتنـي بينـك وبيـن المضـره
من غزة الشوكه إلى سكرة الموت
أو ليت شاورني القدر بـس مـره
ولبى مطالب رغبتي قبل ما موت