كان يذهب للملعب الترابي حافي القدمين، الدم متخثر بين أصابعه السفلية وعلى أظافرها وعلى عقبيه يظهر تصدع كأنه مقدمات حمى الوادي المتصدع حاملا بين يديه (عذق) من رطب طرياً بعد أن يهز جذع النخلة خلسة من الحراس وبعيدا عن الأنظار وحين يصل يجد الأقران في انتظاره فرحين لمقدمه فهو اللاعب الأفضل في القرية بل والمناطق المحيطة بها وعلى كل (المقيمين) حولها مراعاة فارق المهارة حتى وإن (فارق الأخلاق وفارقته)، فالعذق الشهي بين يديه ولضمان عدم المساس به حين يمارس ركل الكرة يضعه جانباً وتقوده نفسه الحقودة الحريصة البخيلة وجشعه على (البصق) عليه ثم يضعه على الأرض ويدلف للملعب والأنظار مسلطة عليه تحبس غضبها الحانق فالأقران وإن لم يكونوا (عيال نعمة) إلا أنهم أغنياء من التعفف فهم قد جبلوا على حب الكرم وحفظ الكرامة وهو الوحيد الشاذ من هذه القاعدة الأخلاقية العظيمة والنسق الاجتماعي الشهم لذا لم يستطع المكوث بينهم طويلا فهو كان أشبه بـ(المجدور) بين الأصحاء وكانت أعراض مرضه وسقمه واضحة للعيان حتى وإن كان المرض من أمراض القلوب وحتى وإن كانت الأعراض (نفسية) فغادر بعد أن بلغ من العمر مبلغاً يمكنه من المغادرة واستقر به المقام في المدينة الكبيرة الصاخبة وبها تبدلت الأحوال فالتحق بفريق كبير وبرز نجمه وانهالت عليه الأموال من (المحبين) كل منهم يسعى لكسب وده ورضاه أملا في تنامي موهبته وتطورها لتنعكس بالتالي لمصلحة الفريق، ومع تدفق أوراق (البنكنوت) تبدلت حاله وكأن التبدل جاء بين غمضة عين والتفاتتها فالوجه البائس التعبس الذي خطت به عوامل التعرية خطوطاً متعرجة وحفرت به أحافير ووضعت به الأخاديد لامسته النظارة وأصبغت عليه الحضارة بمساحيقها الناعمة الجميلة وشعره الأشعث الأغبر الممتلئ قيحاً وصديدا في قعره المجدب و "حفر" عميقة كمخلفات للـ(هوشات) التي يتعرض لها في سبيل تعديه أو دفاعه عن نفسه أصبح يلمع لمعاناً بيناً وفق أحدث موضة قصات الشعر حتى بات الصبية يقلدونه في قصته وبات يلبس ملابس ناعمة مميزة بأشكال وألوان من " ماركات عالمية " وذهبت ملابسه الرثة إلى حيث حطت رحلها أم قشعم. لكنه ومع كل النعم التي حباه الله بها من مال وصحة لم يتغير البتة فقد نظف مظهره الخارجي لكن داخله بقي متسخاً لم يتغير وبقي الغل والحسد يتفاعلان في قلبه السقيم فيكره تفوق الآخرين الأفضل منه موهبة وعطاء وأخلاقاً وحاربهم سراً وعلناً حتى تأذى منه جل القريبين وكل النائين وما كان يبثه من سموم الحقد في مجالسه الخاصة أصبح الآن رأيا يظهر للعامة بعد أن مهد الطريق له للظهور للعلن ورغم بلوغه الخمسين من عمره ونيفاً إلا أنه مازال الطفل الأشعث الأغبر يمارس (البصق) على عذق الرطب ولكن بطريقة أخرى. الهاء الرابعة ماعاد في بعض الرجال صدور من يوم أكلها الحسد يا ستار خل البنات اللي سوات الحور أثر الرجال من الرجال تغار