النية طيبة ومباركة والغاية نبيلة، لكن الوسيلة ضلت طريقها وتحولت إلى صورة مؤذية ومزعجة وضررها أكثر من نفعها.. أقصد حالة الطوارئ اليومية المنتشرة عند الإشارات المرورية؛ بغية تقديم وجبة صغيرة من أجل تفطير الصائمين قبيل أذان المغرب بدقائق معدودة طوال هذا الشهر الفضيل..
سنتجاوز أنها ملايين مهدرة ذهبت في غير محلها ومكانها وموقعها الصحيح؛ فالصدقة لها أحكامها وشروطها وأدبياتها؛ فكم من محتاج أحوج مليون مرة لتلك الأموال الطائلة الضائعة من راكب يجلس وراء مقود سيارة فاخرة يناهز سعرها المليون ريال وتكييفها البارد تركه في عزلة عن درجة حرارة ملتهبة تشوي الوجوه في الشارع، وبيته على بعد خطوات معدودات من تلك الإشارة، وبانتظاره مائدة فاخرة ازدحمت بكل ما لذ وطاب من نعم الله "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها".. مثل هذا ماذا يريد بتلك الوجبة..؟ غيره السائرون في أرض الله لبغيتهم ومبتغاهم ما المشكلة وما الكارثة وما المصيبة وما الإثم والجرم إن تأخر إفطارهم خمس أو عشر دقائق أو نصف ساعة؟.. بالطبع لن يشملهم قول الحبيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "ما زالت أمتي بخير ما عجلوا الفطور وأخروا السحور".. لأن كل من على الإشارات متوقفون يتمنون لحظة الإفطار لإيقاف أطيط أمعائهم الخاوية، والجوع كافر كما نقول في لهجاتنا الدارجة، فلم يتأخروا إلا لحاجة دنيوية أجبرتهم على قضاء الوقت خارج منازلهم وبيوتهم.. فالأولى أن تذهب تلك المبالغ المصروفة على المفطرين عند الإشارات لمريض لا يجد ثمن علاجه، أو فقير تقطعت به السبل، أو سجين أنهكته غياهب الديون.. ثم إنه إجراء ينتهك خصوصية الناس، فيطرقون عليك النافذة فيما أمك أو أختك أو ابنتك أو زوجتك بجوارك ولا تريد أن يدور أي نوع من الحوار مع أحد.. أعرف أنهم يريدون الخير والأجر والثواب لكن للناس حياتهم وأمورهم التي ربما لا يبتغون لأحد اقتحامها وتجاوزها ولو لثانية واحدة.. وعباد الله أحرار في عملهم ومعاملاتهم.. أيضًا فيها ما قد يسبب ارتباكًا مروريًّا وحوادث مميتة ومفاجئة خاصة أن الموزعين جزاهم الله الخير والمثوبة ينتشرون في الطريق بين السيارات ويختارون الوقت القريب من المغرب، الذي يتهور فيه بعض السائقين للحاق بموعد الإفطار مع عائلاتهم، وربما ليس تضورًا من الجوع بقدر ما هو رغبة في مشاركتهم تلك اللحظات الإيمانية..
انتشر تفطير الصائمين عند الإشارات وأصبح أقرب للظواهر الاجتماعية منه إلى عمل خيري يراد به وجه الله.. قبل سنوات كنت أسير بالسيارة في مدينة صغيرة يمكن التجول بين كل أحيائها في مدة لا تتعدى العشرين دقيقة، ورغم أن الإشارات المرورية في هذه المدينة يمكن عدها وحفظها عن ظهر قلب ورصد تواصيفها، إلا أن كل إشارة اكتظت بعشرات المراهقين والشباب الذين ينتظرون المتوقفين لإهدائهم كيسًا يحوي علبة مياه صغيرة وحبات من التمر والبسكويت.. وجزاهم الله خير الجزاء.. لا أستطيع القول إن هذا باطل يراد به حق.. حاشا لله أن أكون من الجاهلين.. لعله كله حق، والحق أحق أن يتبع.
رمضان شهر خير وبركة وكرم، وأنفس تتطهر وأرواح تصفو مع بارئها وقلوب تهفو إلى جنان عرضها السماوات والأرض.. هذا رمضان الذي لا يليق به أن نغمره بالفوضى والضوضاء وعدم الوعي، ونتجاهل الترتيب والنظام والاطمئنان بحجج علينا وليست معنا..
أتمنى لكم إفطارًا شهيًّا تحفه الراحة والسكينة والهدوء والاستقرار بين أحبابكم ومحبيكم بعيدًا عن إشارة تتمنونها خضراء فاقعًا لونها، حتى لا تضطروا للوقوف وتدور الأسئلة ذاتها في مخيلتكم..!!
سنتجاوز أنها ملايين مهدرة ذهبت في غير محلها ومكانها وموقعها الصحيح؛ فالصدقة لها أحكامها وشروطها وأدبياتها؛ فكم من محتاج أحوج مليون مرة لتلك الأموال الطائلة الضائعة من راكب يجلس وراء مقود سيارة فاخرة يناهز سعرها المليون ريال وتكييفها البارد تركه في عزلة عن درجة حرارة ملتهبة تشوي الوجوه في الشارع، وبيته على بعد خطوات معدودات من تلك الإشارة، وبانتظاره مائدة فاخرة ازدحمت بكل ما لذ وطاب من نعم الله "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها".. مثل هذا ماذا يريد بتلك الوجبة..؟ غيره السائرون في أرض الله لبغيتهم ومبتغاهم ما المشكلة وما الكارثة وما المصيبة وما الإثم والجرم إن تأخر إفطارهم خمس أو عشر دقائق أو نصف ساعة؟.. بالطبع لن يشملهم قول الحبيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "ما زالت أمتي بخير ما عجلوا الفطور وأخروا السحور".. لأن كل من على الإشارات متوقفون يتمنون لحظة الإفطار لإيقاف أطيط أمعائهم الخاوية، والجوع كافر كما نقول في لهجاتنا الدارجة، فلم يتأخروا إلا لحاجة دنيوية أجبرتهم على قضاء الوقت خارج منازلهم وبيوتهم.. فالأولى أن تذهب تلك المبالغ المصروفة على المفطرين عند الإشارات لمريض لا يجد ثمن علاجه، أو فقير تقطعت به السبل، أو سجين أنهكته غياهب الديون.. ثم إنه إجراء ينتهك خصوصية الناس، فيطرقون عليك النافذة فيما أمك أو أختك أو ابنتك أو زوجتك بجوارك ولا تريد أن يدور أي نوع من الحوار مع أحد.. أعرف أنهم يريدون الخير والأجر والثواب لكن للناس حياتهم وأمورهم التي ربما لا يبتغون لأحد اقتحامها وتجاوزها ولو لثانية واحدة.. وعباد الله أحرار في عملهم ومعاملاتهم.. أيضًا فيها ما قد يسبب ارتباكًا مروريًّا وحوادث مميتة ومفاجئة خاصة أن الموزعين جزاهم الله الخير والمثوبة ينتشرون في الطريق بين السيارات ويختارون الوقت القريب من المغرب، الذي يتهور فيه بعض السائقين للحاق بموعد الإفطار مع عائلاتهم، وربما ليس تضورًا من الجوع بقدر ما هو رغبة في مشاركتهم تلك اللحظات الإيمانية..
انتشر تفطير الصائمين عند الإشارات وأصبح أقرب للظواهر الاجتماعية منه إلى عمل خيري يراد به وجه الله.. قبل سنوات كنت أسير بالسيارة في مدينة صغيرة يمكن التجول بين كل أحيائها في مدة لا تتعدى العشرين دقيقة، ورغم أن الإشارات المرورية في هذه المدينة يمكن عدها وحفظها عن ظهر قلب ورصد تواصيفها، إلا أن كل إشارة اكتظت بعشرات المراهقين والشباب الذين ينتظرون المتوقفين لإهدائهم كيسًا يحوي علبة مياه صغيرة وحبات من التمر والبسكويت.. وجزاهم الله خير الجزاء.. لا أستطيع القول إن هذا باطل يراد به حق.. حاشا لله أن أكون من الجاهلين.. لعله كله حق، والحق أحق أن يتبع.
رمضان شهر خير وبركة وكرم، وأنفس تتطهر وأرواح تصفو مع بارئها وقلوب تهفو إلى جنان عرضها السماوات والأرض.. هذا رمضان الذي لا يليق به أن نغمره بالفوضى والضوضاء وعدم الوعي، ونتجاهل الترتيب والنظام والاطمئنان بحجج علينا وليست معنا..
أتمنى لكم إفطارًا شهيًّا تحفه الراحة والسكينة والهدوء والاستقرار بين أحبابكم ومحبيكم بعيدًا عن إشارة تتمنونها خضراء فاقعًا لونها، حتى لا تضطروا للوقوف وتدور الأسئلة ذاتها في مخيلتكم..!!