|


محمد فراج
سطوة الفن (2/2)
2018-06-10
خضت في الجزء الأول من المقال محاولة لفك اللغز والسر في تخمة شاشة رمضان بالأعمال الفنية والدرامية، وكشْفَ طبيعة تلك الأعمال وآثارها الظاهرة والخفيّة بما اتسع له المقام، وعرج بنا الشوق إلى السينما المصرية ودون توغل أيضًا.

ولتتمة موضوعنا نؤكد أن الفن بيت المهارة والموهبة، وتكمن أهميته فيما تسطِّره ملكاتُ الفنانين وتعبيراتهم؛ لأنه يخاطب نواصي المشاهدين وبؤرة عقولهم، وتحضر العاطفة ولا يغيب التأثر مطلقًا عندما تبصر العين مشاهد يجتمع فيها نبض الحس وروح الإبداع، فيتسرب خفيةً ما أسميناه بمحلول الفن، مطعَّمًا بنكهة الإقناع ورائحة الدهاء.

وللفن رسالة سامية يمكن توظيفه لأدائها، يساهم عبر أثيرها في رفعة المجتمع وحل قضاياه، وفي الوقت ذاته أيضًا يمكن عن طريق رسائل موازية هدم ما بناه غيره.. وهذا لا ينافي أننا نثبت دور الفن (المجتمعي والثقافي والترفيهي)، ولا نبرئ المجتمعات تمامًا من صحة بعض المشاهد التي ألفتها الشاشة العربية ورصدتها طويلًا..

ذكرنا أيضًا بعض المآخذ على الفن المصري، والبوصلة اليوم صوب الفن الخليجي، فإذا ما شاهدنا الدراما الكويتية ـ التي يرى بعضهم أنها بلغت أوج تألقها وألقها في أمد قصير ـ وخطفت عين المشاهد العربي لفترة ليست بالقصيرة ولا تزال تسرقها أحيانًا عنوة، نلحظ براعتها في إبراز أسوأ وجوه الحياة القاتمة وأظلمها، والمجتمع الكويتي من ذلك براء، وإن وجد ما يشبهه أحيانًا.. فحالات فردية لا ينبغي تسطيحها على مجتمعٍ بأسره.. وعلى المنوال نفسه، يأتي الفن السعودي ـ الذي أبهر متابعيه وألزمهم التسمر أمام الشاشات، متناسين حلا إفطارهم ومثلجاتهم ـ من جانب أخف وطأة، إذ تفنن أبطاله في إبراز الشعب عن بكرة أبيه في جلباب الشيخ فؤاد وأبو مساعد وأمثالهما من فاقدي الهوية والراكنين إلى الدعة والرفاهية المفرطة وانتفاء كل معالم الصحوة الإنسانية.. علمًا أن الكوميديا لا تتنافى مع تقديم الفن الراقي والنقد الصائب..

إن أراد هؤلاء تقديم ما يشفع لهم فليسلطوا أقلامهم وكاميراتهم نحو المؤسسات الفاعلة في المجتمع، بشكل منصف وبناء.. في أي قالب يريدونه (درامي، كوميدي، تراجيدي)، فهل يعجز رواد الفن السعودي مثلًا عن تقديم ما يشفع لهم عند شعب لديه من الشمائل والشيم والعادات والأعراف الأصيلة، ما يثري ويثير قرائح الكتاب والمؤلفين ويداعب خواطرهم، هل يكون عصيًّا على منتجي تلك الأعمال أن يبرزوا الوجه الساطع لشعبهم بوصفه من أغنى الأمم وبإمكانه امتلاك مسارات للطاقة ترسخ هويته أكثر؟! هل هذا عسير عليهم، أم أن هذا لا يستقيم مع أهداف صانعي الفشل ومؤسسي ضياع الهوية؟!!