|


صالح الخليف
متورطون في غرام الأيام
2018-06-24
يفترض أنْ تتشابه الأيام باستثناء الأعياد والإجازات ويوم الجمعة لقداسته وروحانيته عندنا نحن المسلمين المُتَّبعين دين الله.. بقية الأيام لا تتمايز بعضها عن بعض شيئًا..

عندما تكون في إجازتك السنوية مثلًا بماذا يختلف يوم الأحد عن الإثنين، أو الأربعاء؟ لكن هناك أناسٌ كثرٌ واقعون في غرام الأيام، فيتفاءلون بأحدها، ويشعرون بالانتعاش والراحة والابتهاج والسرور خلال ذلك اليوم دون غيره.. والأيام دولٌ.. وتلك الأيام نداولها بين الناس.

فترة الجامعة، وعندما كانت الإجازة الأسبوعية للمدارس والوظائف الحكومية الخميس والجمعة، ظل يوم الأربعاء مثلًا موعدًا للسهرات البريئة، واجتماع الأصدقاء في جلسة تمتد بالطبع حتى ساعات الصباح الأولى، وكان بين الرفاق شابٌّ مهووسٌ بعشق الأشياء التي يتجاهلها الآخرون، منها غرامه الغريب بيوم الثلاثاء، وحجَّته وشهادة تعلُّقه وولعه بهذا اليوم بالذات، كونه العتبة الأولى في مشوار الإجازة، على حدِّ قوله، وكان يُشبِّه الثلاثاء دائمًا بصالة المغادرة داخل المطارات، ويقول: إن الشعور الذي ينتابك قبل رحلة سفر لذيذة إلى وجهة تحبها، هو الشعور نفسه الذي يجب أن نلمسه يوم الثلاثاء.. وظللت أبحث طويلًا عن أي مساوئ لهذا اليوم حتى أنغِّص عليه تلك العلاقة المشبوهة.. فذكَّرته بأن يوم الثلاثاء يسمَّى عند الأمريكان باليوم الأسود، ففي ذلك اليوم في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1921، انهار سوق الأسهم، وواجهت البورصة العالمية أخطر امتحان لصمودها وبقائها، ثم كنت أذكِّره بأن يوم الثلاثاء عاش العالم فيه صدمة الإرهاب المفزعة عبر أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2011، لكنَّ حكاية الأسهم وانهيار وسقوط أبراج نيويورك ما كانت كافية حتى يقطع ويتوقَّف عن التغزُّل بيومه المفضَّل.. حتى رزقني الله قراءة معلومة عابرة تقول: إن المولى سبحانه وتعالى خلق الحشرات يوم الثلاثاء. وبالطبع لم أشغل نفسي بالتأكد من المعلومة وصحَّتها ودقتها، لأنها لامست شيئًا في هوى النفس.. والنفس أمَّارة بالسوء، فاختطفتها على الفور، ورحت أعايره بها في محاولة لم تكن يائسة لعله يتوب عن ذاك الشعور المبتهج مع يوم الثلاثاء.. وبالفعل وجدت أنها معلومة تركت جرحًا في أعماقه لدرجة أنه طالبني بعدم ترديدها مرة أخرى على الرغم من أنها لم تكن حقيقة مطلقة، أو صحيحة مئة في المئة، ولم أشغل نفسي كما قلت بالبحث والسؤال عن صحَّتها.. فهذا ليس هو الأهم..

أريد أن أقول لك قبل النهاية: إنَّ هناك من بني جنسنا نحن البشر مَن يتعلَّق بالأيام كما تتعلَّق أنت بالأشياء التي تحبها، وتجد لها مبررًا وسببًا. وأريد أن أقول لك: إنَّ في استطاعتك محاربة هذه الظواهر العجيبة بالبحث عن معلومات تشوِّهها وتصيبها في مقتل حتى إن لم تكن متأكدًا وواثقًا منها.. حارب ما تكره بأي طريقة.. والحرب يا صاحبي خدعة.. ولا تسألني بعد هذا: هل أنا متأكد من أن الله خلق الحشرات يوم الثلاثاء.. الله أعلم!