|


أحمد الحامد
أحاديث المقاهي 4
2018-06-25
يقال إن لهذا المقهى الذي أجلس به الآن قصة قديمة، كان بيتاً صغيراً يعيش به رجل حاول أن يصبح ممثلاً لكنه فشل، وتعيش معه زوجته التي أحبته طويلاً وساندته كثيراً، وطفلهما الذكي والمرح.
حياتهم أصبحت صعبة جداً بسبب الفقر؛ فالزوج الذي كانت ترفضه المسارح كان من دون موهبة تمثيلية مطلوبة حسب مواصفات ذلك الزمان، كان عديم الحفظ للنصوص المسرحية، وأثناء وقوفه على المسرح كان ينسى الحوار؛ فيقوم بالتأليف من عقله كيفما شاء؛ فيخرج عن النص، تم طرده من الأعمال المسرحية التي حاول أن يشارك بها، ساءت حالتهم كثيراً، وذات يوم جلست الزوجة مع زوجها وقالت له: لماذا يرفضونك؟ قال لها إنه لا يستطيع الحفظ، وبمجرد أن يقف على خشبة المسرح ينسى ما تدرب عليه ويبحر في عالم آخر، تأتيه كلمات مختلفة وقصة أخرى لا علاقة لها بالمسرحية، سألته: وهل تستطيع إكمال القصة لو سمح لك بذلك؟ أجابها نعم وبكل سهولة، قالت له هل نستطيع أن نجرب ذلك الآن؟ قال نعم وبدآ في التمثيل أمامها، كانا في الغرفة المطلة على الشارع، كانت كلما شاهدته وهو يمثل وكأنه حافظ لما يقول تشعر بأنها تكتشف موهبة لم يفهمها أحد، وبينما كان زوجها يؤدي الأدوار كانت قد قررت أن تبني له مسرحه الخاص، في هذه الغرفة تحديدًا، ستزيح الجدار العازل عن الشارع، وتفتح الغرفة مسرحاً من دون تذاكر، ستقدم القهوة بمقابل مالي للجمهور، وهكذا فعلت، في اليوم الأول كان عدد الحضور ثلاثة، في آخر الأسبوع لم يعد هناك مكان كاف للجلوس، من يحضر أولاً يحصل على طاولة صغيرة وكرسي، من لا يأتي باكراً يبقى واقفاً طوال فترة العرض، كان ابنهما المرح يشارك في بعض المشاهد، كما أنه كان يقدم والده قبل بداية العرض المسرحي، أحيانًا كان يشتكي والده للجمهور إذا ما أخلف وعده بشراء لعبة له، وكانت الزوجة تقدم القهوة للزبائن، ساعدتها والدتها لاحقاً، من المؤكد أن طعم القهوة الذي كانت تقدمه مختلف عن ما يقدم حالياً، لكنني وأنا أجلس الآن وأشرب قهوتي أشعر بطعم قهوتها، وأسمع صوت زوجها وهو يمثل وينتقل من بين الطاولات الصغيرة، وأرى ابنهما الصغير واقفًا عند الباب الخشبي، كان زوجها يرتجل نصاً لا يتكرر على خشبة مسرح بنته امرأة لم تحضر سابقاً مسرحية واحدة في حياتها، لن أعود في الأيام القادمة لهذا المقهى، إنه يضج بالأصوات والتصفيق.