|


صالح الخليف
أجل.. خسرنا بشرف
2018-06-25
في كرة القدم يفرح صاحب المركز الأول فقط، فيما البقية يلتهون بأحزانهم وخيباتهم وفشلهم وإخفاقاتهم..

يتساوى صاحب المقعد الثاني الملاحق تمامًا للبطل المغوار مع ذاك الساكن في المرتبة العاشرة متذيلاً القائمة والترتيب.. لا فرق أبداً.. ربما وبلا مبالغة تكون حسرة وكآبة وندامة الوصيف أعمق وأكبر وأكثر ألماً من كل أولئك القابعين في الأماكن التالية.. يكون وقع الثاني مثخناً بالجراح؛ لأنه كان يمني النفس بملامسة الحلم الذي انهار وذهب لمن احتل القمة.. هذا وحده يفتح ملف الحديث عن عنوان كبير اسمه "الخسارة بشرف".. في هذا المونديال عاد للظهور مجدداً والمنتخبات العربية تتلقى هزائم قاسية وموجعة.. الأسباب بالطبع كثيرة وليس لأحد حق احتكارها ومعرفة أسرارها دون غيره.. على أية حال هي كرة القدم التي يقبل منها ما لا يقبل من غيرها.. موضوعنا فقط مشروعية إلصاق الخسارة بالقيم والمثل العليا والشرف.. وهل فعلاً الخسائر كالموت نوع واحد وطعم واحد.. وتعددت الأسباب والموت واحد.. الثقافة الذهنية العربية متوارثة ويصعب على أهلها الخلاص من أدبياتها.. هذا هو المتنبي أشعر العرب وأبرزهم وأكثرهم إبداعاً وحكمة وعمقاً وبلاغة، يقول في أحد أبياته الخالدة: "وإذا لم يكن من الموت بد.. فمن العار أن تموت جبانا".

ولو أخضعت كلمات المتنبي ومعناها ومقاصدها لتوصلت إلى نتيجة القول والإيمان بكل تفاصيل الخسارة بشرف.. إنها صورة طبق الأصل.. يقول المتنبي فيما يقول إذا كنت ميتاً لا محالة فمن المعيب والمخجل أن تفارق الحياة وقد كتبوك في عداد الجبناء.. طالما أنك ستموت كما يموت خلق الله أجمعون وكل من عليها فان.. فلماذا لا تصبح شجاعاً ومقداماً وتموت وتسطر سيرتك على ألسنة الناس بالتواتر الحسن.. وما بيت المتنبي إلا ترجمة حرفية للخسارة بشرف؛ فطالما أنك خاسر دون أدنى شك، فلماذا لا تخسر خسارة مشرفة.. حتى الجماهير حينما يتلقى فريقها خسارة مبكية فيما قدم اللاعبون أداءً بطولياً، فإن كثيرًا من هؤلاء الجماهير ينتظر اللاعبين بعد المباراة ويصفق لهم ويهنئهم ويشكرهم لأنهم بذلوا كل ما لديهم، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي أشرعتهم وسفنهم..

كرة القدم لعبة تتداخل في تحديد نتيجتها عشرات العوامل.. الحظ والحكم وغلطة لاعب واحد في غفلة عابرة أو إصابة طارئة لأبرز نجوم الفريق أو تكتيك مدرب لم يقرأ خصمه جيداً.. كل هذه دواعٍ ودوافع وذرائع حقيقية وواقعية للهزيمة، فإذا بذل الأحد عشر لاعباً كامل الجهد والعطاء ثم وجدوا أنفسهم خاسرين بلا ذنب اقترفته أيديهم فأقل ما يمكن مكافأتهم به القول لهم: لقد خسرتم بشرف..

إنها كلمة سهلة وبسيطة ومحببة للنفس؛ فلماذا نمنعها ونحجبها ونعدها من المحظورات.. كلما لعبتم باجتهاد وتعبتم ولم تتخاذلوا أو تتهاونوا وخسرتم سنقول لكم.. خسرتم بشرف كما فعل المتنبي حينما طالب الموتى بالشجاعة والجسارة والاندفاع.. فعلاً لا تموتوا جبناء لكن اخسروا بشرف..!!