|


صالح الخليف
المتنبي.. الخديعة الكبرى
2018-06-26
لا يوجد شيء في هذا العالم اسمه المتنبي.. إنه مجرد خرافة فرضت علينا.. لا أتكلم عن شعر المتنبي.. أتكلم عن المتنبي نفسه.. والفارق شاسع.. وليس من حقك أن تصمني بالجنون والهبالة والحماقة قبل أن تستمع لكل حججي وبراهيني وأدلتي ولدي أقوال أخرى..
هناك شخصيات كثيرة تملأ جنبات حياتنا واهتماماتنا، لكن ليس لها وجود حقيقي على الأرض.. هل تعرف جحا.. رجل ساذج اكتظت ذاكراتنا بحكاياته وخرافاته وسذاجته ومواقفه الضاحكة المبكية..
أملك أدلة عقلية ـ إن جاز التعبير ـ على أن المتنبي لا وجود له.. تذكر المصادر أنه عاش في أواخر الدولة العباسية، بمعنى أكثر وضوحاً أنه لم يكن حالة ضاربة في أعماق التاريخ البعيد.. ومع هذا ورغم شاعريته الفذة ونجوميته الساطعة، إلا أن التاريخ لم يذكر عن عائلته وحياته الخاصة ما يوازي تلك المكانة الأدبية.. يقولون كان له ولد اسمه “محسد”، وحينما تفتش في المصادر والمراجع لا تجد أخباراً عن هذا الولد، بل إن كثيرًا من الوثائق تنفي أن يكون المتنبي قد أنجب ولداً بهذا الاسم.. ذاك عنترة بن شداد مثلاً تمتلئ كتب التاريخ بحياته وفروسيته ونضاله الصارم وراء إثبات انتسابه لقبيلة بني عبس النجدية العريقة، رغم الفترة المتباعدة بين المتنبي وعنترة، ورغم الفارق الأدبي والشعري الكبير لمصلحة المتنبي.. ثم إن التاريخ يقول كما تتفق أغلب الروايات إن المتنبي التصق بهذا اللقب بعد ادعائه النبوة.. هذا كلام لا يدخل العقل بسهولة؛ فكيف لرجل باهظ الفهم والفكر والبلاغة والموهبة يدعي أنه نبي مرسل من الله عقب وفاة حبيبنا وخاتم الرسل عليه أتم الصلاة والتسليم بأكثر من ثلاثمئة عام.. ادعاء النبوة هو سلوك لم يمارسه على مدار الأيام سوى المرضى النفسيين والمجانين الذين وصل بهم الكذب والدجل مرحلة الانفصال عن الواقع.. بالطبع يملك المتنبي إرثاً قصائدياً وأدبياً ضخماً وملهماً ومهماً، وقد يكون كل ذاك الشعر لأسماء متعددة؛ فكثير من قصائد المتنبي عليها خلاف حول قائليها ومنشديها.. فالشعر لا خلاف على أهميته وبراعته، لكن التوقف فقط عند شخص المتنبي الذي قد لا يكون إلا جحا آخر في جنبات تاريخنا المبجل..
وغدًا نواصل حكاية خديعة المتنبي!