|


صالح الخليف
موظف على جناح المرض
2018-06-28
هل سألت نفسك يومًا ما هي الوظيفة التي تدعو ربك ألا تضطر للعمل بها.. وربنا ارحم ضعفنا وحاجتنا وقلة حيلتنا.. بالنسبة لي أقول وبلا تردد إنها مضيف طيران.. مثل الكثيرين أحب أن أدخل في عداد المسافرين كلما استطعت إلى ذلك سبيلًا..

الاتجاه نحو المطار هو مشوار أحبه وأعشقه وأعتبره مثل طعم شوكولاتة جاديفا وباتشي.. لكن ركوب الطائرة هم وغم وشر لا بد منه.. ولو كان الأمر بيدي لما ركبتها أبدًا.. أسمع عن كثيرين خوفهم من ركوب الطائرات حرمهم التنقل في بلاد الله الواسعة، وعلى رأس هذه القائمة اللاعب الهولندي السابق الحريف بيركامب والملحن المصري الراحل محمد عبد الوهاب ـ يرحمه الله ـ، ولا أحد يلومهما؛ فلا ينجو من حوادث الطيران سوى جناح الطائرة وراكب دعت له أمه في ليلة القدر واستجاب الله دعاءها.. أما البقية فيتحولون إلى رماد تذروه الرياح..

تخيل أن يكون المكان الذي تخافه وتكرهه وترتعب من جلوسك فيه هو موقع عملك وشغلك ودوامك والدوام لله.. اللهم لا تكتب هذه القسمة من نصيبنا.. فالسفر في الطائرة صداع وضغط وغثيان ثم يضاف عليها مشاعر ارتباك لا تنقطع وانتظار وترقب محطة الوصول.. ساعات وأوقات حرجة تجعلك في أدنى درجات التركيز.. السفر لذيذ وحلو المذاق وداخل الطائرة ستضطر لشغل أوقاتك بالقراءة أو مطالعة فيلم أو الحديث مع جارك، أو تتأمل في من حولك حتى يحين موعد الوصول.. لكن أن تكون الطائرة هي مقر عملك فهذا ابتلاء لا كتبه الله عليك وعلينا وأعان المولى كل من ابتلي وصبر..

هذا أمر لا يحتمل.. وفي دراسة طبية أمريكية جديدة جاءت نتائجها كارثية وخلصت إلى أن العاملين في الطيران معرضون للإصابة بمرض السرطان القاتل أكثر من غيرهم بكثير، وقالت هذه الدراسة إن السبب ربما يعود إلى اضطراب الساعة البيولوجية بالنسبة للعاملين، إضافة إلى قلة النوم والتغيير المستمر في ساعات العمل.. والعرب يقولون في أمثالهم حشفًا وسوء كيلة، والحشف هو التمر الخرب الرديء الذي لا يستساغ مأكله ثم تشتريه وقد غشك البائع بمكيال ظالم لا عدالة فيه، وهذا بالضبط حال العمل مضيفًا للطيران، ثم تأتيك دراسة طبية إن أردت تصديقها وتقول لك بكل وضوح وببجاحة وقوة عين إنك معرض للداء الخبيث.. فإذا كنت يا صاحبي صابرًا محتسبًا على العمل فوق الأجواء ومتحملًا كل تلك المتاعب والضغوط؛ فالآن يزفون لك البشائر.. فمخاطر السفر أمامك.. والمرض وراءك.. عافاك الله وحماك من كل مكروه.