|


صالح الخليف
شجعوا على مستواكم
2018-07-11
التشجيع في كرة القدم حكاية يطول شرحها.. تتجاوز المعقول لكنها أبداً لا تتجاوز الحدود.. أقصد أن كل المشجعين حول العالم تأتي اهتماماتهم محلية أولاً ثم يذهبون لاختيار فريق من إسبانيا وآخر من بريطانيا وثالث من إيطاليا؛ كونها أقوى وأشهر وأمتع المسابقات الكروية الدولية..
الدوري الألماني لا يجتذب الكثيرين لأن بايرن ميونيخ محكم قبضته بطريقة ديكتاتورية على بطولات الألمان؛ فنادراً ما تخرج الألقاب هناك من عصمته.. شخصياً أتابع أي مباراة في أي دوري متى ما سمحت ظروف الحياة والعمل.. كنت في صغري ضمن جوقة مشجعي ليفربول، وأعتقد أن أغلب جيلي يشاركني محبة هذا الأحمر؛ لأن إنجازات ليفربول ارتبطت بنقل التلفزيون السعودي مباريات الدوري الإنجليزي تلك الأيام.. ما كان تشجيعاً حقيقياً لكنه هوى الطفولة ليس إلا.. التشجيع الحقيقي والواقعي يرتبط كثيراً بالتعصب الذي لا فكاك منه.. الذين يقولون لكم إنهم يشجعون الريال ومانشستر واليوفي وبرشلونة لا يخرجون من حالتين لا ثالث لهما.. الأول لم يعرف كرة القدم إلا من خلال هذه الأندية وتعلق بها كما تتعلق اللوحات على جدران المتاحف.. والثاني يخوض مع الخائضين ويمشي مع الموضة ويركض كما تركض الشقراء مع الخيل.. متابعة الأندية العالمية أظنه يدور في رحاب المتعة والأنس والإثارة والتشويق كما هي الأفلام الأمريكية.. حينما ترغب في مشاهدة كرة قدم حقيقية يمكنك الجلوس متسمراً أمام الشاشة تسعين دقيقة لمتابعة مواجهة ديربي في الدوري الإنجليزي مثلاً.. أما الذين يحاولون استنساخ تجربة تشجيع الأهلي والهلال والنصر والاتحاد ونقلها إلى المنافسات الأوروبية؛ فأظنهم كالذي يخلط الماء مع الزيت.. المنافسات المحلية تغذيها المناكفات والصراعات الشخصية والعيشة في ذات الأجواء، وهذا كله نتاج طبيعي لهوية كرة القدم التي فرضت بهذا إيقاعها وسلطتها وأسلوبها على العالم أجمع.. هناك فصيل ثالث لكنه بالطبع يشجع الأندية العالمية هرباً من الاختناق بالتعصب المحلي، أو أنه يريد القول للناس أنا أفهم منكم وأعرف منكم وأنا أطالع وأتابع كرة القدم بطريقة راقية وأسلوب يناسب شخصيتي.. هذا وشاكلته إنما يخرجون كرة القدم من ثوبها الذي ارتدته طوال مئة عام ماضية.. إنها لعبة الهوس والحب والتحدي والجنون والضحك والبكاء.. في كأس العالم ذرف العشرات دموعهم في المدرجات فرحاً وحزناً.. ومثل هذا يحدث في ملاعبنا وملاعب الإنجليز والطليان.. أظنها دموعًا ترتبط بالعمق التاريخي وروح الانتماء.. لم تلدكم أمهاتكم في شوارع مدريد؛ ولهذا لا تطيلوا البكاء على رحيل رونالدو مثلاً.. وعودوا وأعلنوا بكل وضوح وصراحة ميولكم المحلية ودافعوا عنها بكل قوة واستماتة وفخر.. إن كرة القدم مرض يصيب أحياناً بالوراثة.. عودوا وشجعوا الذين يشبهونكم؛ فليس هناك ما يعيبكم، وكرة القدم لا تفرق بين الطبيب والمريض..!!