|


صالح الخليف
الموهبة وحدها لا تكفي
2018-07-18
اكتشاف الموهوبين واحدة من المهمات القيادية الصعبة والمعقدة في التعاملات الإنسانية.. في أي مجال يعتمد على القدرات الإبداعية يكون على القائد مسؤوليات مضاعفة، فإضافة إلى العمل الروتيني يلقى على عاتقه بصفة مستمرة البحث والتفتيش عن وجوه تصنع الفارق في مجالها..
هذا أمر معقد وفيه تفاصيل كثيرة.. تتضارب حوله طبيعة البشر بانتماءاتهم ورؤيتهم للحياة مع قدراتهم التي يمكن أن تمايزهم عن غيرهم وسواهم.. تحظى برامج اكتشاف المواهب التلفزيونية في كل دول العالم باهتمام ومتابعة واسعة من المشاهدين.. أغلب هذه البرامج شهرة واجتذاباً للناس تلك التي تمنح الحناجر المساحة لتصدح في الآفاق.. مئات وآلاف المتقدمين لإبراز موهبتهم في الغناء.. وهذا المجال لمن يتوافق معه فهو يبدو الأسهل والأسرع والأقرب لاقتناص فرص الثراء والأضواء والشهرة.. المطرب الذي يمتلك موهبة الصوت الشجي لا يحتاج إلى كثير من الجهد والعمل والمثابرة.. عليه فقط أن يقرر الغناء ثم تتفتح الأبواب.. أهم شيء في الغناء أولئك العائشون القابعون خلف الستائر ووراء الأبواب الموصدة.. أقصد بالطبع الملحنين وبدرجة ثانية وبعيدة يأتي الشعراء.. هذه أم كلثوم بعظمتها وقدرتها وشهرتها وإمكاناتها الفذة ما كانت لتكون كما تعرفها الدنيا كلها لولا أن صوتها صادف مرحلة وجود وحضور، وزمن رياض السنباطي ومحمد القصبجي وكمال الطويل ومحمد الموجي وقبل كل هؤلاء الموسيقار الملهم بليغ حمدي ـ عليه رحمة من الله ورضوان.. ، ربما لو جاءت عملاقة موهوبة توازي أم كلثوم أو تزيدها إمكانات وإبداعاً في أيام ليس فيها بليغ ومن هم دونه، لربما أصبحت مثل منيرة المهدية وتوحة.. لربما أصبحت على الهامش.. أصبحت نسياً منسياً..
الخلاصة التي اخترت أن أضرب فيها أم كلثوم مثلاً، أن الموهبة وحدها لا تكفي، والفرصة أيضاً لا تكفي، فلو كانت الأمور تدار بهذه الطريقة وتمشي بهذا المنهج لأصبح كل أولئك الذين يقع الاختيار عليهم من قبل أعضاء لجان التحكيم في برامج الغناء نجوماً وعمالقة كباراً وتاريخيين كما هي أم كلثوم.. إنهم يفقدون بوصلة الزمن، فتذهب موهبتهم إلى صفحات الهوامش في مسيرة الحياة.. أن تكون موهوباً غنائياً وتكتشف أنت أو يكتشف فريق بكل طاقاته نجوميتك فهذا ليس كافياً لتنجح.. نجاحك مرتبط بالآخرين الذين ربما يكونون أكثر منك موهبة وإبداعاً.. الصوت العذب وحده لا يكفي في الغناء.. وتذكر أن كل إنسان معجب بصوته.. وهذا من رحمة الله علينا..
إذا أردت التقدم لمسابقة الأصوات الجميلة فتلفت حولك وابحث عن بليغ آخر.. وإلا لا تتهور وتغني.. ثم تنضم إلى تلك القائمة التي صفق وأُعجب بها المشاهدون ولجنة التحكيم ثم راحت تجري في سكة المنسيين كما حدث مع منيرة المهدية..!!