|


فهد علي
الموسيقى تؤذي أحدا
2018-08-15
المأساة الوجودية لزملائي البشر تكمن بوقوفهم عن التحول إلى أطوار جديدة، أمر بالغ السوء أن أصابع أيدينا تبقى كما هي عليه ويقف جسدك الممشوق عن الزيادة بالطول.

وأفواهنا لا تنشد الشعر، وأحاسيسنا مع الزمن تصاب بتجمّدات مملة، ومثلما يعرف الجميع ـ على ما أظن ـ تذهب الشمس دائماً خلف الكوكب لتعود مرّة أخرى. ولأجل هذا الملل المعيشي الرتيب والمكرر، كان لزاماً أن نلتقط صورة كتاب بجوار كوب قهوة، ثم نتغزل في مفهوم القراءة.

كما لو أن مجرد إتمام الكتاب سوف يمنحنا حتماً درجة ارتقاء، رغم أن هنالك قرّاءً للكُتب عاجزون عن قراءة الشوارع وثياب الناس وملامحهم، فحتى قراءتهم للكتاب لن تسدي لهم نفعاً ولن تحسب كقراءة، مثلما أعتقد. وربما أن الثقافة باتت تمنح شخصياتنا ألقاً اجتماعيًّا أكثر من أن تمنح فائدة عقلية، حيث الاهتمام بالتوهّج الشخصي جعل من النتاج الأدبي كله مجرد إعادة صياغة لما قد كتب سابقاً. إن أهمية ما يجب أن يُقرأ قد تقلّص درجته وتحجّم دوره في النفوس، فالإنجاز الأولي عندهم يقف عند ضرورة أن يعرف من حولك بأنك كاتب أو قارئ، أذكر كتب ذات مزاج رائق الأستاذ فيصل العامر مقالاً بأسلوبٍ فني تحت عنوان: "الموسيقى لا تؤذي أحدًا". لا يتحمّل أبو "العامر" جريرة انتشار عبارته المميزة؛ ما جعل تداولها ممجوجاً لدي على الأقل، أما أنا فأظن أن الموسيقى تؤذي أحداً، دائماً بغرفتي الصغيرة الموسيقى الحزينة تؤذي مشاعري، وأستلطف هذا النوع من الإيذاء.

وإذا كان المقصد بعدم إيذائها لنا كونها تسبح خارج عالمنا الحقيقية القابع في حروب ودمار، ليست الموسيقى وحدها. كذلك كرة القدم ورعي الغنم والرقص لا يؤذون أحداً، ويمورون بعوالمهم الخاصة.

عموماً رسالة إلى الشباب والشابات المتحمسين والنازعين بغير فهم إلى منفى اللغة والموسيقى، أرجو أولاً أن أرى نتاجًا أدبيًّا جيّداً بدلاً من اصطفاف كلماتكم المنمقة وإحداثكم الضجيج، ثانياً السير في زقاق شعبي بحي في أحياء الرياض والإصغاء إلى صوت أبواق السيارات ونداء العمالة هو أمر حسّيّ يفوق صورة الكتاب وكوب القهوة، بل إنه يشرح ضيق صدورنا أكثر من عدد الإعجابات التي تأتي بها الصورة.