|


صالح الخليف
عطوة في باريس
2018-08-15
ليس الشرف والنزاهة والخلق الرفيع والخوف من الله هي وحدها التي تبعد الإنسان عن السرقة والسطو والسلب والنهب والنشل.. هناك سبب آخر لا يصح لنا تجاهله إذا جئنا نتحدث عن أولئك الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، يكمن في الجهل وعدم القدرة والمعرفة والحذر والجبانة.. وقبل ذلك الجرأة والجسارة والقلب الشجاع..
هناك كثيرون لا يردعهم الانضمام لقائمة اللصوص والحرامية سوى أنهم لا يعرفون كيف ومتى وأين يسرقون..!! لو امتلكوا البسالة والحماسة والإقدام لربما تضاعف أعداد النشالين والمختلسين حول العالم.. وهذه رحمة من عند الله.. والسينما المصرية مثلاً عرضت عشرات الأفلام والأعمال عن حياة وأفكار وطرق النشل داخل الحافلات ووسط التجمعات المكتظة بالبشر، وأشهرها فيلم "المحفظة معايا"، الذي قدمه الزعيم عادل إمام أواخر السبعينيات الميلادية مع سمير صبري ونورا وعمر الحريري.. وتتلخص القصة حول شاب يفشل في إكمال دراسته ويتجه لنشل جيوب الناس، مستغلاً مهارته وخفة يده وأيضاً جراءته قبل أن يصادف أحد أصدقاء الدراسة القدامى الذي يدير شركة أغذية ناجحة، ويعده بتوفير وظيفة محترمة.. وعندما شعر "عطوة" وهذا اسم عادل إمام في أحداث الفيلم، بأن رفيقه وصديقه يخادعه يضطر لسرقة محفظته وتتواصل الأحداث حتى ينتهي عطوة خلف القضبان.. وفي العاصمة الفرنسية باريس ذكرت إذاعة فرانس بلو قبل يومين، وقوع قرابة ألف وخمسمئة نشال محتال في قبضة الشرطة منذ مطلع العام الجاري، عندما كانوا يمارسون هوايتهم الممنوعة داخل ردهات مترو باريس المزدحم يومياً بآلاف الركاب القادمين والمغادرين من بلد النور والعطور، التي بالطبع تعج بملايين السائحين على مدار الموسم.. وحذرت وسائل إعلام فرنسية مختلفة السياح والمقيمين بتوخي الحيطة والحذر خاصة من يحمل منهم حقائب كبيرة أو يدوية.. وفي هذا العالم المرتبك يلتقي الخيال مع الواقع مثل طفلين معاً كما كانت تشدو السيدة أم كلثوم رحمها الله في أسطورتها الخالدة أغنية الأطلال.. التقى عطوة ونشالو باريس في خيال أحمد عبدالوهاب الذي كتب فيلم المحفظة معايا.. بالطبع لم يكن لقاء طفلين معاً.. والعالم بالتأكيد مكتظ بعطوة وأمثاله في أقاصي الأرض ومشارقها ومغاربها.. وكما قلت ما أكثر من يريد المشي على خطى عطوة، لكن تمنعه مخافة الله أحياناً، وقلة الخبرة والدبرة أحياناً أخرى!!