|


أحمد الحامد⁩
لا تكذبي
2018-08-25
في كواليس اللقاء الأخير الذي أجريته مع الفنان خالد عبد الرحمن، سألته عن أحد الشعراء، فقال: "تقصَّدتُ الغناء من كلمات هذا الشاعر في فترة ما، لأن الشاعر آنذاك كان يمرُّ بمعاناة قاسية، وفضَّلت أن أغني من قصائده لأنها نابعة من معاناةٍ، لذا ستأتي صادقة وقوية، وتصل إلى المستمعين بسهولة".

الكثير من المبدعين في مجالات متعددة من هذه الحياة، قدموا في مرحلة معاناتهم ما يليق بأن يوصف بـ "الإبداع"، لأن المعاناة أخرجت تلك الطاقات الكامنة في أعماقهم، وكانت دافعًا ووقودًا حقيقيًّا لهم.

فان جوخ بينما كان يقطع أذنه، كان يمر بأسوأ حظوظه، لكنها الحياة، الحظ السيئ للآخر قد يكون جيدًا لك. مع فان جوخ تحديدًا كانت معاناته الحظ الجيد للعالم بأسره. ماذا لو قطع أذنه الثانية، هل كان سيرسم لنا أجمل مما رسمه؟

مما يحكى أن الكاتب كامل الشناوي، رحمه الله، كتب قصيدة "لا تكذبي" من تأثير معاناة حبه للفنانة نجاة الصغيرة التي لم تبادل هيامه بهيامٍ. يحكى أن كامل الشناوي كان من الكُتَّاب الذين "لمَّعوا" نجاة لحبه لها.. وهي تستحق فنيًّا على أقل تقدير.

يقول الكاتب مصطفى أمين، رحمه الله، عن أغنية "لا تكذبي": "لقد كتب كامل الشناوي هذه الأغنية داخل مكتبي في الزمالك، وهي قصيدة ليست فيها مبالغةٌ، أو خيالٌ، وكان ينظِّمها وهو يبكي، وكانت دموعه تختلط بالكلمات فتطمسها، وسمعناه أنا والموجي، يتحدث إلى المطربة التي عشقها بصوت منتحب خافت، تتخلَّله الزفرات والعبرات والتنهدات والآهات مما كان يقطع القلوب، وحكى لنا بنفسه أن المطربة كانت صامتة أثناء سماعها الكلمات لا تقول شيئًا ولا تعلِّق ولا تقاطع، وبعد أن انتهى كامل من إلقاء القصيدة، قالت له: كويسة أوي.. تنفع أغنية".

هكذا كان مصير معاناة كامل الشناوي في حبه لنجاة.. أغنية رائعة لنا.. بصوت نجاة، وعبد الوهاب، وعبد الحليم.

لا تكذبي.. إني رأيتكما معًا، ودعي البكاء فقد كرهت الأدمعا، ما أهون الدمع الجسور إذا جرى من عين كاذبةٍ، فأنكر وادَّعى، إني رأيتكما، إني سمعتكما، عيناكِ في عينيهِ في شفتيهِ في كفيهِ في قدميهِ، ويداكِ ضارعتانِ ترتعشان من لهفٍ عليهِ.