|


أحمد الحامد⁩
شخصيات هادئة
2018-09-02
في حارة قديمة، كان هناك شاب في العشرين من عمره تقريبًا، مزعج وأخلاقه سيئة، وعلى استعداد دائم لافتعال المشكلات والاشتباك باليدين مع جميع الشباب، وليس لديه مانع أن يشتبك حتى مع الصبية الصغار.
كان معظم أبناء الحارة الشباب لا يحبذون التعامل والتواصل معه، ليس خوفًا منه، بل ابتعادًا عما تسببه المشكلات التافهة، خاصة أنه من النوع الذي لا يُنهي المشكلة بعد انتهاء الاشتباك اليدوي فقد يفاجئك بحجر يضربك به، وأنت خارج، أو داخل إلى بيتك، أو تسير في طريقك، بمعنى ألَّا فروسية لديه.
أصيب هذا الشاب بمرض متعب، جعله هزيلًا، وأفقده قوته ونشاطه، ولم يستطع أن يمارس عادته السيئة بافتعال المشكلات.
ذات يوم رأيته في البقالة، اشترى قنينة مياه، والتهم مجموعة من حبوب الدواء.. كانت يداه ترتجفان، والسواد يحيط بعينيه. قال له صاحب البقالة: ألم تتحسَّن؟ فردَّ صاحبنا: الحمد لله.. تحسُّنٌ خفيفٌ.. كان صوته ضعيفًا.. وكان يمعن النظر في الأشياء سارحًا في عالمه.. استمعت إلى الحوار القصير الذي دار بينه وبين صاحب البقالة.. مما قاله صاحبنا: إنه لا يحب المشكلات.. وأنه يقول سامحك الله لكل مَن يعتدي عليه، وأن هذه الحياة طريق قصير وعلى الإنسان أن يقطعه بحُسن السيرة والسلوك، إذ ما الذي سيأخذه المرء من هذه الدنيا غير أعماله وحُسن نيته، وأن أفضل ما يتركه على هذه الأرض السمعة الحسنة ومحبة ودعاء الناس.
مضيت وأنا أفكر في التحول الذي حصل له، وكيف أن ظروفًا في حياة الإنسان، ومنها الصحية، تجعل منه شخصًا آخر بمفاهيم جديدة نحو الحياة. بعد مرور ستة أشهر بدأ صاحبنا يتعافى.. واستعاد كل ما فقده من وزن، وعادت إليه قوة صوته، لا بل استعاد كامل قوته، وعادت مع كل ما عاد إليه شخصيته السابقة، الفتى الشقي سيئ الخلق، وبدأ يمارس ما كان يمارسه من افتعالٍ للمشكلات، وإلحاقٍ للضرر بالناس.
هذا الشاب الذي لا أعلم ما الذي حصل له، ولا أعرف ما أحواله الآن، يمثِّل حقيقة في هذه الحياة، وهي أن بعض الناس الذين قد نعتقد أنهم عاديون قد لا يكونون كذلك، وأن شخصيتهم الحقيقية السيئة التي تعيش داخلهم لم تظهر لغاية الآن، لأنهم لا يملكون القوة، أو لأنهم لم يجدوا البيئة المناسبة لظهورها، لأن هناك موانع منعتها من الظهور، وقد تكون من هذه الموانع، أنهم يعيشون في مكان يُفرض فيه القانون، وينعم أهله جميعًا بالأمن والأمان، لذا تبقى شخصياتهم الحقيقية كامنة.