|


أحمد الحامد⁩
قبل زمنه
2018-09-03
في بداية التسعينيات، التقيت شابًّا عربيًّا، قدَّم نفسه بوصفه مغنيًا، وعندما طلبت منه أن يُسمعني شيئًا من غنائه، أدَّى أغنية من كلماته وألحانه. كانت كلمات الأغنية عربيةً، لكنَّ لحنها كان غريبًا جدًّا وغير مألوف. الأغنية عبارةٌ عن مزيج من المعاني العاطفية، والحالات الإنسانية والاجتماعية. كنت، وأنا أستمع إليه، أمام حالة جديدة، قلت له: ما هذا الذي تؤديه؟ أجاب: “راب” عربي. الحقيقة، أنني رفضت قبول الفكرة لدرجةٍ ضحكت فيها وأنا أشاهده يقوم بأداء الأغنية. كان لونًا جديدًا، أشاهده لأول مرة.
لم يُكتب النجاح للشاب، لأنه وعلى الرغم من صوته الجيد، وشكله المناسب ليكون مغنيًا في أيامنا هذه، إلا أنه جاء في وقت غير مناسب، أو كان أسرع من التوقيت المناسب، أي أن زمنه لم يحِن. بعد ذلك بأكثر من عشر سنوات، بدأت أشاهد، وأستمع إلى أغانٍ، ذكَّرتني به، أُطلِقَ على تلك الأغاني “الراب العربي”، وعلى المؤدين “فناني الراب”، وأصبح بعضهم من المشاهير.
حتى في عالم الأعمال والتجارة، يعد التوقيت المناسب أمرًا مهمًّا في نجاح المشروع، أو فشله. بعض الأفكار السبَّاقة قد تكون غير مفهومة لبعضهم، وقد لا تنجح، أو يرفض المستثمرون تنفيذها.
هل اكتشف العالم فجأة جمال لوحات فان جوخ، أم كان سابقًا للعالم؟ يبدو أن حظَّه فقط كان سيئًا، لأنه لم يشاهد الاحتفاء العالمي بكل لوحة من لوحاته، والأسعار الخيالية التي وصلت إليها، وكيف أصبح اسمه أيقونة متفرِّدة، كل ذلك بعد رحيله، أو بسبب سرعته التي فاقت الفهم آنذاك. فان جوخ لم يكن يملك أحيانًا ثمن القماش حتى يرسم لوحاته عليها، فرسم فوق لوحاته القديمة!
تفاجأت قبل مدة عندما علمت أن محرك السيارة الكهربائية اكتُشف قديم جدًّا، حتى إنني شاهدت برنامجًا عن طائرة، صُنِعَت في خمسينيات القرن الماضي من محرك هجين بين الكهرباء والبنزين. يبدو أن حظ مكتشف محرك السيارة الكهربائية يشبه حظ صاحبنا مغني الراب العربي، وحظ فان جوخ، الذي كلما قرأت اسمه، أو شاهدت لوحة من لوحاته، تذكَّرت معاناته وآلامه وفقره في الحياة التي عاش فيها مغمورًا، وأصبح مشهورًا بعد رحيله.