|


أحمد الحامد⁩
المدرب المجنون
2018-09-15
يطلق وصف الجنون عادة على الذين فقدوا عقلهم، ويطلق مجازاً على الذين أتوا بما لم يأت به سواهم، فتكون الكلمة تعبيراً عن الدهشة لا عن وصف الحالة كحقيقة.
أحدهم يحب دائماً أن يرى الجميع بخير وسعادة وفي أفضل حال، ويسعد كثيراً إذا ما سمع عن إنجاز أو خبر مفرح عن شخص من أصدقائه أو أقربائه، وآخر عكس ذلك تماماً، الأول لديه من نقاء السريرة ما يصنع له الفرحة حتى إن كانت أسبابها لا تخصه تحديداً، والآخر يرى أن سعادة الآخرين من مسببات حزنه وتعاسته. ذات يوم حكى لي صديق عن ذكرياته الكروية قبل بلوغه سن العشرين وكان لاعباً جيداً، كان يلعب إحدى المباريات وكان مهاجماً، يقول إنه لم يستطع أن يسجل هدفاً في الشوط الأول وبعد إعلان الحكم نهاية الشوط تفاجأ بمدرب الفريق الثاني يتقدم نحوه ليفاجئه بهذه الكلمات: بني إنك تفعل كل شيء، تراوغ وتمرر الكرات عدا أمر مهم وهو أنك لا تسدد الكرة على المرمى عندما تكون قريباً منه، عليك أن تسدد الكرة، يقول صديقي في الشوط الثاني سددت الكرة وسجلت هدفين وفزنا في المباراة. اليوم كلما تذكرت كلمات ذلك المدرب الذي قدم النصيحة لشاب صغير أتساءل من أين أتى ذلك المدرب بكل هذا الحب للناس والحياة، كان يستطيع ألا يقدم نصيحته التي آلت بخسارة فريقه، لكنه قدمها حتى يعلِم إنساناً آخر، هو يرى أن نتيجة المباراة غير مهمة وإن كان هو مدرب الفريق بل المهم هو أن يكون ذا نفع حتى إن كلفه ذلك التنازل أو خسارة شيء ما.
لا أتصور أن مدرب الكرة هذا يهمه ما يقوله الناس عنه، أعتقد أنه يهتم بالصورة التي يرى هو نفسه بها، صورة بحجمه، تناسبه دون الاهتمام برأي المحيطين، ولا أعتقد أنه باحث عن مدح أو شهرة لأن غايته أسمى، تلك الغاية التي تشبه السعادة التي تصل إلى أعماقه لا إلى عيون من هم حوله، كانت بعض كلمات قالها لصديقي لكن تأثيرها بقي في ذاكرته طويلاً، قد يقول شخص ما إن ما فعله المدرب عندما قدم النصيحة للاعب في فريق الخصم إنما هو أمر غير منطقي، وقد يراه آخر بأنه مجنون، وأنا لا ألومه إذا ما وصفه بذلك، فمثل أمثال هذا المدرب نادرون على أرض الحياة، ولم يصبحوا حالة عامة حتى يعتاد عليها الجميع وتخرج من نطاق الجنون.