|


صالح الخليف
لماذا هي متعبة؟
2018-10-18
حتى قبل أن أدخل الصحافة كانت عبارة “مهنة المتاعب” تدغدغ مشاعري.. أظنها كلمتين منحتا الصحافة قدراً من المهابة والفخامة والقوة.. الصحفيون كتب عليهم القتال وهو كره لهم.. القتال على عدة جبهات..
قتال مع متاعب العمل وضغوطاته.. قتال مع من لا يحترم مهنتهم.. قتال مع الوقت.. قتال مع مصادر الأخبار ومصدريها.. قتال مع زملاء المهنة الذين يتحولون في أغلب الأحيان إلى أعداء المهنة بسبب الغيرة والسباق المحموم نحو التميز والانفراد.. هناك عشرات المهن المتعبة.. حتى الأطباء يتعبون ويعانون.. يكفي دخولهم إلى غرفة العمليات لمحاولة إنقاذ الناس ثم يموتون بين أيديهم.. هذه وحدها تكفي للتفكر كيف أن الطب مهنة محترمة وقاسية ومقدسة وخطيرة وبالتأكيد مرهقة ومتعبة أيضاً.. عامل البناء الذي يصاحب الشمس والبرودة القارسة والعمل المنهك المتواصل منذ الشروق وحتى الغروب هو كذلك مهنته متعبة للغاية.. وبين الطبيب والعامل عشرات الوظائف والمهن التي تستنفد من الإنسان طاقته وحيويته، وتمتص كل قواه.. وعلى قولة عبدالله الرويشد: “ما في أحد مرتاح”، وهذا يعيدنا للمربع الأول.. فلمَ تسمى الصحافة وحدها مهنة المتاعب..؟
أظن أن الصحافة فعلاً متعبة مثل غيرها، لكن الفارق الكبير أنها ليست مهنة الساعات الثماني.. ليست أبداً وظيفة حكومية تدخلها في وقت محدد وتخرج في وقت معلوم.. الصحفي يعمل على مدار الساعة وعلى مدار اليوم وعلى مدار العام.. لا أقصد أن حياته كلها تتحول إلى عمل لا ينقطع.. أقصد أنه جالس في مقهى بصحبة أصدقائه أو أسرته، وشاهد أو سمع حدثاً يستحق أن يكون خبراً أو عملاً صحفياً، فإن هذا يجعله يحتسي قهوته باردة. وكما كان يغني البحريني خالد الشيخ.. “قهوتي باردة”..!!
قبل عشر سنوات تقريباً أجرى طبيب أردني بحثاً شاملاً عن المهن المتعبة، وخلص إلى أن الصحافة تحتل المرتبة الأولى، وأذكر أنه توصل إلى نتائج مفزعة، قال فيها إن هذه المهنة تؤدي في نهاية المطاف إلى أمراض القلب والجلطات الدماغية، وطالب في بحثه المنصف منح الصحفيين إجازة سنوية لا تقل عن أربعة أشهر حتى يستعيدوا أنفاسهم ويتخلصوا من ضغوطات الحياة والعمل.. وبارك الله فيه وفي بحثه وسدد الله خطاه، وباسم كل الصحفيين في العالم أشكره على تلك البادرة الرائعة..!!
هناك سبب أكثر وضوحاً وإشعاعاً حتى يحق للصحافة أن يلتصق بها هذا اللقب الأخاذ.. أعتقد أنها ليست مهنة تقليدية.. تعتمد كثيراً على الشغف والمزاج والمحبة والعشق المفرط.. الذي لا يحب الصحافة لا يمكنه تحقيق أي تقدم فيها.. والذي يحبها يتعب فيها كثيراً.. والحب ليس مجانياً.. الحب وحده متعب من دون مهنة.. ويقطع الحب شو بيذل..!!