|


فهد عافت
تركي آل الشيخ.. كان صادقًا ولم يكن مُحِقًّا!
2018-11-11
في لقاء تلفزيوني، سُئِل تركي آل الشيخ عن النقد، يقبله؟، يقرأه ويستمع إليه؟، يستفيد منه؟، وأختصِر ردّه: نعم، نعم، لا!. هذه اللاء، النافية للاستفادة من النقد، كسبتْ حيِّزًا من أحاديث جلسات كثيرة، مازِحة وجادّة، موافقة ومخالفة، مجيبة وسائلة. أهل "حفر الباطن" تحديدًا، لا يتركون شاردة ولا واردة مع "شَبّة الضّوّ"!.
ـ مثل هذه اللاء، تكررت كثيرًا، سمعتها في حديث للموسيقار عبد الوهاب، ومرّةً من المخرج يوسف شاهين، ومن أدباء كثيرين، من تولستوي إلى نجيب محفوظ، ومازحني بها مرّةً كل من بدر بن عبد المحسن وعبد الرحمن بن مساعد، وآخرين. مع هؤلاء "الآخَرِين" أحشر نفسي: لا أتذكّر أنني استفدت من نقد يخصّني إلا فيما ندر!، فإنْ كنتُ استفدت، فقد حدث ذلك دون دراية أو تعمّد!. أُعجِبْتُ نعم، استأتُ نعم، استفدتُ لا!.
ـ يبقى أمر، حتى لا يُظنّ بغياب فائدة النقد وأهميته، جماله وخياله، بل وقدرته على التربية والتعليم، مما يَمسّ الذوق بِرِفْعَةٍ، والخُلُق بتهذيب!.
ـ غالبًا، وغالبًا بمعنى الكلمة هذه المرّة، لا فائدة مرجوّة من النقد الفنّي والأدبي والجمالي عمومًا، حين يكون الأمر خاصًّا بنا!. تمامًا مثلما أنه لا يمكن لنا التعامل مع رواية تُكتب "عنّا" بالأريحيّة والتقبّل والانغماس في جمالياتها وآفاقها، التي يمكن لها الحضور بكامل بهائها فيما لو تعاملنا مع رواية ليست "عنّا"، لسنا ضمن شخوصها ولا حبكتها!. مع أننا وفي مثل هذه الرواية الثانية، ومتى كُتِبَت بفن وإحكام وجودة، سنجد حتمًا، وحتمًا هنا بمعنى الكلمة أيضًا، أنفسنا، ومشاعرنا، وحكاياتنا، أو كثير منها، لدرجة يمكن لها معاقبتنا، أو مكافأتنا، علّتنا وعلاجنا!.
ـ وكذلك النقد!. ومن يريد الاستفادة حقًّا، وهي استفادة مصحوبة بالمتعة وأكثر: تمنحنا التماسك وتمدّنا بالقوة، وتُكرم آفاقنا بمعارف جديدة وتأمّلات خصبة، فإنّ قراءة المؤلّفات النقدية الحصيفة، المُثابِرَة، والبعيدة عن نتاجنا وعملنا وحياتنا الشخصية، تفعل ذلك بملَاحَة وضّاءةٍ، وحُسْنٍ بهيج!.
ـ كيف قرأَ العقاد جميل بثينة، وكامل الشنّاوي "أبونواس"، وطه حسين المعرّي، ومحمود شاكر المتنبّي، وأدونيس الشريف الرّضي، كل هذا يمكنه منح الشاعر "القارئ" فهمًا جديدًا، لنفسه وللحياة وللشعر وللكتابة!. فإنّ قرأ في نقد السينما والمسرح والفن التشكيلي والموسيقى، أُضيئت له دروب، وفُتحت أبواب، لم يكن يظن بوجودها، ولا بجودها!.
ـ وصحيح أنّ درب معالي المستشار "المهني"، ليس أدبيًّا، وفي هذا ما يمكنه التشويش قليلًا على المعنى السابق، لكن وبصراحة: ربما، وربما هنا بمعنى الكلمة أيضًا، نحن أنفسنا الذين قرأنا وسمعنا بالانتقادات على عمله وتصريحاته، لم نشعر بوجود ما هو مفيد حقًّا!. أؤكد: ربما!.
ـ الخلاصة: كان صادقًا، ويُحسب ذلك له، ولم يكن مُحِقًّا، ولا يُحسَب ذلك عليه!.