|


أحمد الحامد⁩
بيت طين
2018-12-01
الأوروبيون يتمسكون بمبانيهم، يرممونها ولا يهدمونها إلاّ نادراً وللضرورات، المباني الأوروبية كلما زاد عمرها زادت رمزيتها، عادةً تجد عند مدخل المبنى رقماً يوضح تاريخ بنائه.
ومن الطبيعي جداً أن تشاهد تلك المباني التي تجاوزت الـ200 و300 عام، أما المباني ذات الـ100 عام فهي في كل مكان، يبدو أنهم يحتفظون يصرون على الاحتفاظ بالتاريخ، وأن المسألة ليست الإبقاء على حجر.
في السنوات القليلة الماضية تعودت عند الإقامة في مكان جديد، أن أعود لأرشيف المكان، وهذه من أفضال الإنترنت واليوتيوب، أبحث في الصور والفيديوهات، فأجد معظم المباني القديمة قائمة لغاية الآن، فقط بعض الترميمات والتغييرات البسيطة، أشاهد صوراً لشوارع كانت تسير عليها عربات الخيول، نساءً ورجالاً بأزياء بدايات القرن القرن الماضي ومازالت الشوارع والمباني كما هي، تغيرت وسائل النقل والموضة ولم يتغير المكان، قد تجد بيتاً عمره مئة عام لكنك بمجرد الدخول إليه تجد كل الحداثة وآخر ما توصلت إليه التقنية، في بعض اللقاءات التي استضفت فيها بعض المشاهير كنت أسألهم عن أماكن ولادتهم، عن الحارات التي شكلت أولى الصور في ذاكرتهم، معظمهم كانوا يتحدثون عن تلك الأمكنة بحنين واشتياق، وعندما أسألهم إن كانوا يزورونها عادة تكون الإجابات بأنها لم تعد كما كانت، بعضها اختفى إلى الأبد، مع التوسع والتطور نحتاج إلى التجديد والبناء، وبنفس الوقت نحتاج إلى الحفاظ على شواهد مرحلة الأجداد والآباء، بناؤهم إرث له قيمته، ما المانع أن تكون بعض الحارات متاحف، تحكي عن زمن ليس ببعيد، بعض بيوت الطين شواهد حية عن أسلوب وحياة آبائنا وأجدادنا، لا تكفي القصص والحكايات بل البيوت أيضاً، من حق أبنائنا والأجيال القادمة أن نوصل إليهم ما ورثناه من تراث جميل، يحكي عن حياة أجدادهم وقصص كفاحهم وكل ما عانوه من صعوبة في الحياة، قبل أعوام قليلة زرت أحد الأصدقاء الذي اشترى بيتاً طينياً، فقام بترميمه بطريقة رائعة، تجولت في البيت وشعرت به ينبض بساكنيه، رأيت أسلوب حياتهم وبساطة عيشهم، المباني ليست أحجاراً وطينًا، هي جزء يمثلنا ومدعاة للفخر، شخصياً أحب البناء الواسع الحديث والسكن بهذه المواصفات نعمة كبيرة، لكن الاحتفاظ بجزء من الماضي والمحافظة عليه هو أشبه بالحفاظ على جزء من تاريخنا الذي نعتز به.