|


فهد عافت
ثقافة ومثقف.. طيّب والمعنى؟!
2019-02-03
ـ كلمة "ثقافة" واحدة من الكلمات العويصة!، الإمساك بالزئبق أيسر من الإمساك بها!، تكاد تعني في كل استخدام لها معنىً غير الذي سبق لها أن استُخدمتْ فيه!، بل وقد تحضر في سياقات معيّنة فتتقلّب معانيها ودلالاتها ومقاصدها حسب السياق المُستعملة فيه!. وعليه فإن إطلاق كلمة "مُثقَّف" حُكْمًا على أحد، أو وصفًا له، شائكة ومُلتبسة ومُراوغة!.
ـ كلمة "مثقّف" بلا ضد ولا نقيض ولا جنس آخر!. ضدها ونقيضها والجنس الآخر منها أن تقول: غير مثقف!. إنها ليست مثل عالِم وجاهل، ولا مثل رجل وامرأة!.
ـ وكل كلمة ننقضها باستخراج كلمة "غير" من جيوبنا لنربطها في ذيل الكلمة، هي كلمة ملتبسة ومُصطلح مشكوك في تعريفه!. ذلك أننا وكلما استغنينا عن "غير" هذه، وواجهنا الكلمة في لحظة صدق تبيَّن لنا أننا عَبَرنا على معرفتها ولم نُعبِّر عنها!.
ـ مثقّف!. تفكّر في الأمر، تكتشف أنها مثل كلمة "متذوِّق"، واضحة وكلّما وضحت أكثر غَمُضَتْ والتَبَسَتْ!. وكلّما تحدّدَتْ بعثَرَتْ وتبعثَرَتْ!.
ـ حين يقول أحدنا للآخر: "هذا ذوقي"، فإنه يعطيه حُكْمًا على شيء دون الحاجة إلى تقديم دليل أو حجّة!.
ـ الآخَر هنا لا يستطيع رفض الحكم ولا قبوله، أقصد أنه لا يستطيع الانتفاع به إلّا كمؤازرة أو مُغايظة عاطفية لذوقه هو الآخَر!. ذلك أنّ "الذوق" لا يستلزم شروطًا يتوجّب الكشف عنها!، ذوقي و "خلاص"!. وبالتالي هو ليس حكمًا نقديًا ولا جماليًا بالرغم من كونه يبدو ويتصرّف كذلك!
ـ نقدر على متابعة مجموعة من التنويعات على ذوق إنسان بعينه، في مجالات بعينها، لنحكم عليه فيما لو كان مثقفًا أم لا لكننا قد نقع في خطيئة كبرى، تبدأ من ترصّدنا له في مجالات بعينها، وهو ما يعني تغييبنا لعدد أكبر من المجالات التي لم نتتبعه فيها!، ويكون سبب عدم تتبعنا له فيها عادةً جهلنا وقلّة درايتنا أو اهتمامنا بها!، ولا تنتهي بنقصان حكمنا لدليل! وعليه فإننا نتتبّع أمرًا بظُلم وإقصاء، بهدف الحكم عليه بأمر لم نَصِفْه بعد!
ـ في اللغة الإنجليزية، التي لا أعرفها للأسف، تحضر كلمة "ثقافة" من أصل زراعي! أتتبع خُطى ت.س. إليوت، وأبحث في أصلها العربي، أصل إلى الرُّمح: ثَقَفَ الرُّمح بمعنى شذَّبَه، وثَقَفَ بالرمح أي طعن به!، وامتدّت الكلمة لتشمل وصفًا شاعريًا لجسم المرأة!.
ـ يلتقيان في نهاية الأمر، أعني في بدايته!، فالرمح تنويع على الخشب، والخشب زرع، والمرأة غابة وخصوبة!
ـ لا أعرف عن مسيرة الكلمة، ولا كيف قفزت لتأخذ المعنى الذي هي عليه الآن، لكنه أمْر حَسَن، ومَجَاز طيّب كريم! لكن ليت أحدًا من أساتذتنا المتخصصين في هذا المجال، يتتبع المسيرة، أو يدلّنا على من تتبّعها بشكل جيّد الأمر مُشوِّق، وأظنه اليوم صار ضروريًّا، فقد اختلط الحابل بالنابل!