|


فهد عافت
المَجَاز!
2019-02-12
ـ المَجَاز!. هذا الذي ما إن تبدأ الكتابة، وما إن يبدأ كل فنَّ، حتى يركض أصحابه إليه، ركضًا انتحاريًّا للعيش فيه ولو للحظة!.
ـ العباقرة منهم يفعلون ذلك بمجازفات خطرة، وبشبه استهتار!. استهتار بما عداه من فرط الحرص عليه والرغبة فيه!.
ـ المجاز!. ويتلقّاه القارئ الحقيقي، والمتلقّي الحصيف، بترحاب وبهجة، يُهيّئ له وبه صباحًا وأجنحةً وفضاءات!. يلتقط أدقّه وأرقّه بانتشاء ومضة عشق خاطفة وأبديّة!.
ـ المَجَاز!. ويذمّه كاره الفن، ويشتمه مُبغِض الأدب، يفعل ذلك وكأنه ردّة فعل على إهانةٍ ما!. فالمَجَاز طارد أيضًا!.
ـ يطرد المتطفِّل والإمّعة وشحيح الفهم متهالك القدرة على الإبحار والطيران والركض وعبور الآفاق!. يطرد كل هؤلاء دون رحمة ولا أسفٍ ودون تواضع!. لا يهتم لكثرتهم ولا يقيم لها وزنًا!.
ـ المَجَاز!. ما سرّه؟! ولماذا هو مُحَاط بأحبّته، يستميتون للحياة فيه ومن أجله، ويتحمّلون هجر عدد كبير من القرّاء والمتابعين، يُغضبونهم إرضاءً له؟!. الأسباب كثيرة، والخفي أكثر من الظاهر!.
ـ رغبة الفنان بالخلود هذه مُلتبِسة، وظُلِمَتْ كثيرًا حين تم عسف المعنى العميق وترويضه في اصطبل الغرور والنرجسية وهذه المفردات "الكديش"!.
ـ جزء من خلود الفنان يُحسّه ويشعر به في تمدّده كمعنى!. والتمدّد المبتغى يحدث كما يشعر به المبدع أفقيًّا عبر الآخر المُصاحِب مثل ما يشعر به رأسيًّا، عبر الزمن، حيث الآخر المُجانِب!.
ـ والمَجَاز يحقق هذا، رأسيًّا وأفقيًّا. رأسيّا، أي عبر الزمن، لا شك في أن أبا تمام وأبا نواس والمتنبّي كانوا ينتظروننا أيضًا، وكان جزءًا مهمًا من وجودهم: إحساسهم بوجودنا، وبضرورة أن نلتقي، أنْ نهزم الزمن والمسافة ونلتقي!، وكان جزءًا مهمًا من ثقة كل واحدٍ منهم بنفسه، وزهوه بها، يقينه بقدرته على الوصول إلينا، ويقينه بنا أيضًا، وبقدرتنا على الوصول إليه في رجوع حساب وتقدّم سحاب!. المَجَاز وحده يمكنه تخبئة البذور والإبقاء عليها صالحةً للزراعة عبر الزمن!.
ـ لكن أحدًا منهم، وهُم في هذا شأنهم شأن كل فنان حقيقي، لم يكونوا، أبدًا، مستهترين بمعاصريهم ومن يعيشون معهم. كل ما في الأمر أنهم كانوا طامعين بالتمدّد من خلالهم!.
ـ فالمبدع عبر المَجَاز، يصنع معنىً ظاهريًّا يُمثِّل شكلًا من أشكال المبدع نفسه، شكلًا واحدًا، لكنه قابل للحفْر، وكلّما حُفِر أثمر شكلًا آخر، مُضافًا إلى الشكل الأول، ممتدًا منه ومُمَدِّدًا له!.
ـ هكذا ببساطة: تُنتج معنى، بصياغة تسمح للآخر أن يُنتج معنى آخَر، ولثالث أن ينتج ثالثًا، إلى أن تصبح النار هي الماء والصياغة ذاتها ثابتة. أنْ تُحرِّك الدنيا وتتحرّك فيها وبها وأن تكون مركزها ومُرتكزها في نفس اللحظة!. وأنْ تكون لحظتك هي الزمن كله!. أي شيء هذا؟!.