|


بدر السعيد
رجل واحد وملايين الأذرع والكفوف
2019-02-23
في ليلة من ليالي جدة التي لا تنسى.. وفي جوهرتها المشعة التي باتت جزءاً من تاريخ جدة الحديث.. في تلك الليلة وبينما كانت أنفاس العشاق في قمة احتباسها.. وبينما كان الملايين يتابعون إثارة كلاسيكو الكرة السعودية وأحداثه وفصوله.. وبينما كان الهلالي ينتظر هدف التقدم وترجمة التفوق الميداني..
وبينما كان الاتحادي يتلمس الأمل في سبيل خطف هدف ينجو به من انتكاسته.. بينما كنا كذلك ارتفعت ذراعي "باكس كريستان" عالياً حاملة معها لوحة التغيير التي زينها الرقم "عشرة" معلنة خروج ظاهرة الملاعب السعودية وموهوبها.
في لحظة التغيير كانت المباراة تعيش في دقيقتها الخامسة والستين.. وكانت النتيجة باعثة للقلق والتوتر في تعادلها السلبي المرهق للفريقين وعشاقهما.. في تلك الأثناء توقف اللعب بكل عنفوانه وحماسه.. توقف كل ذلك لنتابع جميعًا "محمد الشلهوب" وهو يحث الخطى متجهًا نحو زميله الإيطالي جوفينكو.. وفي مشهد درامي انطلقت خطى الموهوب المحبوب من دائرة المنتصف.. هنا توقفت عقارب ساعة المباراة في أذهان الجميع.. توحدت الكاميرات والأنظار وصيحات الجماهير وعبارات معلقي المباراة نحو ذراعي محمد الشلهوب اللتين ارتفعتا لتحييا كل من حضر.. وفي المقابل ذابت كل الألوان في مدرجات العشاق.. وتوقفت مشاعرهم وأحاسيسهم التي كانت رهينة أحداث الكلاسيكو.. توقفت ليسكنها محمد الشلهوب وحده.. كان صوت الاتحادي يسبق الهلالي وهو يهتف باسم نجم الوطن ونجم أجيالنا التي تعاقبت وتعاقب معها حب "أبو البندري".. فتوحد المدرج العظيم هاتفاً "شلهوب.. شلهوب".
في حالة الشلهوب يجدر بنا التوقف والوقوف.. التوقف لقراءة أسباب هذا الحب الغامر والاحترام الطاغي لهذا الرجل.. واستعرض مسيرته المعطرة بالخلق والعطاء والمطرزة بالإنجاز.. والوقوف احتراماً لشخصية اتفق الجميع على جدارتها بالتفرد على قمة النجوم السعوديين من حيث عدد البطولات.. وحجز موقع ثابت في قلوب جماهير المنافسين قبل جماهير الزعيم.
كلنا على يقين بأن جميع الرياضيين سيتركون أماكنهم يوماً ما.. وسيخلفون وراءهم صورة ذهنية رسموها في أذهان كل من شاهدهم وعاش تجربتهم.. فهل استطاعوا رسم ما يضمن لهم الحد الأدنى من الاحترام..؟!
هنيئاً لـ"أبو البندري" هذه الصورة الذهنية التي تركها في أذهان الناس.. وكم هو الأمل في أن ينتج مجتمعنا الرياضي أكثر من شلهوب لكي نقول لأبنائنا كونوا مثل هؤلاء.
دمتم أحبة.. تجمعكم الرياضة.. ويحتضنكم وطن.