|


فهد عافت
.. بالحبر العالي!
2019-02-27
ـ يكتب الكاتب، تعني أنه يفكّر بحِبْر عالٍ!. يختلف، قد يختلف، الأمر قليلًا حين ينشر ما كتب، ذلك لأن الأمر حينها يعني أنه انتهى من الشطب، وأنه وجد الكلمات المناسبة لقول ما أراد قوله، وأنّه رتّب أفكاره، وراجع عباراته مرّة أو مرّتين، ما يعني أنّ المنشور لم يعد فكرةً فحسب، لكنه صار رأيًا أو اقترب من ذلك أكثر من أي لحظة سابقة!.
ـ لكننا حين نتحدث عن لحظات الكتابة نفسها، عن الفعل الكتابي في حالة "المُضَارِع"، فهي ليست سوى تفكير بحبرٍ عالٍ، وتلاقح أفكار بأفكار، وتلاقح هذا التلاقح بالكلمات!.
ـ ما لم يكن الأمر نسخًا، فإن الكتابة فعل جنسي رياضي ممتع ومُنجِب!.
ـ وتتدرّج القيمة، وفواتح الشهية والأفق، بحسب نوع الفعل الكتابي!.
ـ يظل فن الشعر أعلاها قيمةً، لاختلاط الأفكار بالكلمات والكلمات بالأفكار على نحو عظيم الجاذبيّة أخّاذ!. موسيقى وإيقاع الكلمات لا يسمحان للشاعر بغير التفكير في نفسه وملذّاته الشخصيّة من أَثَر الدفق الكتابي!.
ـ كتابة الشعر وقْع، أمّا نشره فتوقيع!.
ـ ولأن كل نشر هو توقيع، فإن اختلاف الشعر عن غيره من فنون الكتابة، يحضر أثناء الكتابة بشكل لافت، استثنائية لا يعرفها غير الشعراء، ولا يمكن لهم نقل نشوتها إلى الآخرين بغير تدجين مهين وخيانة تعبيرية مملّة!.
ـ أثناء كتابة الشعر، وعندما ينساب المعنى وتسترسل الكلمات كأنها خُلِقتْ في هذه اللحظة ومنها ولها، عندما ينجذب الشيء إلى الشيء راقصًا على إيقاع يُوجده الجذب نفسه، في لعبة جسدية وروحيّة فوق ما كان يحلم به الشاعر نفسه ويتمناه، فإنه لا يحسد سلاطين الأرض على ما هم عليه، ولو أنهم عَلِموا ما هو عليه وفيه من انتشاء لحسدوه!.
ـ لكن الشعر نفسه درجات، والنظم نسخ، والتقليد حاسِبَة!.
ـ الناظم والمُقلِّد خارج الحسبة، وعذاب المُقلِّد أكبر، ومَرضه أشد، يدري بالمتعة، يحس بوجودها، يراها في الآخر، لكنه يظل ينظر إلى حدثها الحميميّ الفاتن من خلف السور!.
ـ الإبداع دخول في الظن. التقليد ظنٌّ في الدخول!.
ـ بعد فن الشعر، يحضر الفن الروائي "القصة والرواية والكتابة المسرحية"، وهو عند عباقرته لا يقل درجةً عن فن الشعر متعةً ورعشة انتشاء، لكنه يظل مختلفًا في الطعم، ومُفارِقًا على نحو ما!.
ـ وأخيرًا يأتي فن المقال الصحفي، مُثقلًا بتاريخ الرسائل والخواطر!، مأمورًا بالوقت والمساحة!.
ـ بين الأول والأخير، بين الشاعر وكاتب المقال الصحفي، يتَّضح الفرق: الشاعر يفكِّر إن تمادى في التفكير بأحدٍ ما، ويرى في هذا الأحد: الجميع، ويرى في هذا الجميع: ذاته. كاتب المقالة يُفكِّر بالجميع، لكن "الجميع ليسوا أحدًا"!. ما بين القوسين لسكارميتا على لسان أحد شخصياته!.