|


فهد عافت
الأمر استفحل والحكاية سمجت!
2019-03-17
مُربكة، حدّ إثارة الرّعب في النفس، تلك الأقوال المقوّسة والمُقدّمة كمأثورات أو نظريات أدبيّة، يلتقطها أحدهم وينشرها ناسبًا إياها إلى أسماء ذات قيمة أو رنين!.
ـ الشبكة العنكبوتية، بعوالمها الافتراضيّة المتداخلة، سمحت لمثل هذه الاقتناصات بالتحوّل إلى حفلات تهريج صاخبة وسائبة!. واحد يمرّرها للآخر، و”تويتر” يكاد يلعب دور “عمر الحريري” في مسرحية “شاهد ما شافش حاجة”: انتشروا!.
ـ مقولات ممهورة بأسماء فخمة تبدأ من سقراط ولا تنتهي عند جبران خليل جبران، لا تدري متى قيلت وكيف قيلت، وهل قيلت حقًّا؟!.
ـ شكسبير المسكين تشرشح في “تويتر”!. وغيره كثير!. لو أخذنا مقولاتهم “التويتريّة” على أنها حقيقة، ونسبناها لهم فعلًا، ثم جمعناها مع بعضها البعض، لما لقينا غير عقليّات مشتّتة، يحتاج أصحابها إلى مصحّات نفسيّة وعقليّة للتعامل مع انفصام شخصيّة كل واحد منهم!.
ـ المحزن، والمثير للعجب المُحبِط، أنني تابعت عددًا من الأسماء ذات الصيت في المجال الثقافي والأدبي والفني، يرددون مثل هذه المقولات، أو يقومون بإعادة تدويرها، دون تثبّت!.
ـ لا شك أنه توجد متعة، وتسلية، في قراءة جُمَل وعبارات عباقرة الفلسفة والأدب والفن، كما أن نقلها إلى الآخرين يُحقّق “أُبّهة” للنّاقل ويُضفي على حديثه ملاحةً، غير أن الأمر استفحل والمسألة زادت عن حدّها، والحكاية سمجت!.
ـ هذا غير عن الذين فتحوا حسابات بأسماء أدباء وفلاسفة راحلين، يقتبسون من مقولاتهم وآرائهم دون ذكر لأي مصدر، ثم وفجأة، تطاولوا، وبلغت بهم البجاحة حدّ إدخال هذه الأسماء في معتقداتهم وآرائهم ومواقفهم السياسية والاجتماعية وغيرها!.
ـ عادي!، صار يمكن لنا متابعة هيغل وهو يُدلي بصوته في صندوق صحّة الرئيس بوتفليقة!. وأن نرى كانط منتظرًا بشغف للديربي القادم بين النصر والهلال!، وأن يقف كل من الرّازي وابن سينا على طرفي نقيض في تناولهما لحادثة قطار محطّة مصر وتوزير “الوزير”!.
ـ الشبكة العنكبوتية تعبث بنا على نحو لا مثيل له، والاعتماد عليها والوثوق بها، سيتمكّن من تشويه أجيال!. والحل في العودة إلى الكتاب، الورقي تحديدًا، وفي التمسك به كمرجع “أساسي” حتى وإن لم يكن نهائيًا!.
ـ ختامًا، وقبل أن “ينطّ” أحدهم ويخطّ: أنت نفسك، تخصص يومًا من الأسبوع في “بلكونتك” هذه، لمقتطفات من كتاب؟!.
ـ نعم، أفعل ذلك كل يوم جمعة، ولكنني على الأقل أحدّد اسم الكتاب والكاتب والمترجم إن كان مترجمًا ودار النشر وأحيانًا رقم الطبعة، ومع ذلك أؤكد: قراءة المقتطفات لا تغني عن قراءة الكتاب، وهدفي منها التشويق إليه فقط!.