|


فهد عافت
لا تطير بالعجّة!
2019-03-18
ـ ما لم تبحث بنفسك، تُبحر وتتعمّق بنفسك، فإنّ كل ما يُقدَّم إليك ليس إلّا طَرَف خَيط، وهذا في أحسن الأحوال!.
ـ الحياة قصيرة، والأيام سريعة، لكني لأفهم هذه الحياة، ولأحيا هذه الأيام، فإنّ عليّ أن أتريّث!.
ـ القراءة، الانغماس في الكتب، تأمّل الروايات والأعمال الأدبية والفنيّة عمومًا، يتيح مثل هذا التريّث الإيجابي!.
ـ قلَب آينشتاين الدنيا رأسًا على عقب، بنظريته النسبيّة. من يومها وأبحاث أهل العلم تتجه إلى نتيجة واحدة مفادها: الحركة!. المكان والزمان شيء واحد، وهما لا شيء لولا الحركة، والسرعة هي التي تُشكِّل وتُحدِّد وتؤطِّر!.
ـ لكن آينشتاين نفسه لم يكن بإمكانه القبض على السّرعة لو لم يتريّث!.
ـ التريّث الإيجابي ليس بُطئًا ولا تكاسلًا، هو فقط نقيض الاستعجال!. أو أن هذا ما قصدته وأردته فلم أُحسن وصفه نظرًا لاستعجالي في إرسال المقالة!.
ـ تتعجّل، تريد المرور سريعًا على الحدائق تقطف وتخطف، ثم تُجمّع ما قطفت وخطفت في مزهريّة، قد لا يكون الأمر سيّئًا ولا مؤذيًّا إلى هذا الحد فيما لو كنّا نتحدث عن حدائق حقيقيّة وعن ذوق شخصي في تشكيل باقة تزيّن بها غرفة منزلك!
ـ لكن حين نتحدث عن الفهم والأفكار، فإن الأمر يصبح خطرًا حقًّا، وقد يكون مؤذيًا لك ولغيرك!.
ـ في غياب التريّث يتساويان: سيّد قطب وتولستوي!.
ـ تقول: لا، هذا جنون، وأقول لك: يتساويان!. بل قد سبق لي أن قرأت "أو سمعت" في شبابي المبكّر من يقول: سيّد قطب هو تولستوي العرب!. أتذكّر ذلك بخجل؛ لأنني أتذكّر أنني صدّقت ما سمعت!، أعجبني وهج الجملة فصدّقت!.
ـ كلاهما، تولستوي وسيّد قطب طالَبا بعدم الاعتراف بالدولة، وبإنكار قوانينها وعدم الالتزام بها!. بَدَتِ الفروق بسيطة: هذا يقول المسيحي الحق، وهذا يقول المسلم الحق!.
ـ وكلاهما حَطّ من شأن الفنون والآداب وأهلها!. كلاهما أراد ثورة، وأقام مبادئها وعلى أساس ديني!. فماذا بعد ذلك؟!.
ـ بعد ذلك كثير، كثير جدًّا. تولستوي أديب عظيم، وسيد قطب منظّر إرهابي!. تولستوي طالب بثورة فكر وأخلاق فرديّة ودون إيذاء حتى نملة، بينما أراد سيّد قطب حرق الدنيا وهدمها على رؤوس أهلها!.
ـ تولستوي كان ثريًّا جدًّا ومن عِليْة القوم وتنازل قدر استطاعته عن كل هذا، بينما كان سيّد قُطب متوسّط الحال أو أقل ومن عامّة الناس أو أقل، وأراد السلطة والمال، وحين عجز عنهما انقلب على من ظن أنهم حرموه منهما!.
ـ انتقد تولستوي موسيقى بيتهوفن لأنه رأى أنها لم تتباسط للناس بما فيه الكفاية. سيّد قطب حرّم الفنون فهي فسوق ورذيلة!.
ـ ولا يزال العالَم يحتفل بـ"آنّا.." تولستوي، مثلما لا يزال العالَم يواصل "أنّاته" متوجّعًا من أوراق سيّد قطب!.
ـ ليست هذه دعوة للوقوف وترك الحياة تسرع بمفردها إلى ألا تعود رؤيتها ممكنة ويصير اللحاق بها مستحيلًا!. هي فقط دعوة للتريّث، وبالشعبي الفصيح هي دعوة لأن "لا تطير بالعجّة"!. وأنت حرّ!.