|


فهد عافت
مساطيل «تويتر»!
2019-03-25
ـ في شبكات التواصل: لا أرى الشتّام فظّ اللسان المتبجّح الذي لا يردعه خلق ولا يهذّبه ذوق أو أدب، إلا كما أرى المخمور الذي ليس له من شجاعة الصبح إلا ما منحته إيّاه "السطلة" التي بدأها من أول الليل فتواصلت كأسًا بعد كأس، حتى جاء مترنّحًا بها، يخرّب صباحاتنا بكلمات لزجة، تُخفي تثاقلها برفع الصوت، فينكشف فحشها أكثر وأكثر!.
ـ يهدد بها ويتوعّد، لاصقًا بـ"شطرطون" التهديد بذاءاته المتمايلة غير المستقرة على حال أو معنى أو سبب!. يقف كأنه يريد عراكًا، لكنه يبقى على طاولته لا يتقدم خطوة، هذا حدّه!، وحيث هو، يلوّح قدر استطاعته التماسك بيده، يتصورها سيفًا، وفي مشهد سفاهة وحمق، يطعن بها الهواء حوله ويقاتل الفراغ الذي صيّر نفسه جزءًا منه!.
ـ مثل هذا، من العار الدخول معه في مُشادّة، لا تدري حقًّا من يقصد، وماذا يريد، ولماذا هو منفعل إلى هذا الحدّ، إذ إنّ نفس "الطين" الذي شربه من أول الليل، شربه قبل ذلك، وحضر به مترنحًا إلى المقهى في ليلة سابقة، لكن أثره كان نقيضًا لأثره اليوم!. هو كل يوم في حال حسب ريح العفن الذي "يلطّه"!.
ـ كان "الطين" المسكوب على رأسه وفي فمه، قد صيّره في ليلة سابقة رقيقًا بكّاءً، ومحبًّا للناس، حتى إن كانت تصريحاته بتلك المحبّة مفكّكة أيضًا ومضحكة البجاحة لروّاد المقهى الصباحي!.
ـ تويتر، وبقيّة شبكات التواصل المعروفة، ليست سوى مقاهٍ طيّبة، وقد أتاحت لروّادها أمرًا حسنًا، وقدّمت لهم خدمة مجّانية لطيفة، بحيث صار يمكن لأيّ منّا منع أمثال هؤلاء المساطيل المخابيل من الدخول وتعكير صباحاتنا!. ضغطة زر واحدة ويتم الحظر!.
ـ أعترف: لقد جرّبت، ولفترة أظنها اقتربت أو زادت على ثلاث سنوات متتالية، مسألة التسامح، وعدم الحظر، والاكتفاء بالتجاهل وعدم الرد!.
ـ احتاج الأمر ما يقارب الشهرين فقط للتعوّد، ثم سارت الأمور براحة، لكنها شيئًا فشيئًا ظلّتْ تتحرّك، وببطء أشد يكبر إزعاجها، كما كومة "زبالة" أعزكم الله، ولم يعد في اليد حيلة، وصار الكنس مسألة ضروريّة، فرجعت إلى زر الحظر!.
ـ ولكنني أعترف أيضًا، وهذه المرّة اعتراف شرّير: هذا الحظر مريح فعلًا، لكن فيه ما هو غير مبهج!. وهنا يتكشف "الشرير" في داخلي: غياب البهجة لا علاقة له بحرية الآخر ولا بحقوقه في التعبير ولا بالرفض الأخلاقي لتكميم الأفواه!.
ـ أغطّي وجهي حياءً منكم وأكمل ضاحكًا: إنه يتعلّق بتشوّقي للتشفّي!.
ـ بصراحة: هناك متعة خبيثة بعض الشيء، في رؤيتهم وهم ينكفئون على الطاولات، تتعثّر ألسنتهم بالكلمات وأرجلهم بأرجل الكراسي!. وعلى رقابهم كدمات مجهولة المصدر!. كوميديا سوداء، لكنها كوميديا!.