|


فهد عافت
التشويق!
2019-04-01
ـ العمل الروائي، الفيلم السينمائي، لوحة الرسم، القصيدة، وأي عمل فني آخر، أوّله وآخره: التشويق!.
ـ لا تُهم حقيقته ولا واقعيّته، ولا هدفه، ولا وصاياه دون أدنى شك!. المهم أن يكون مشوّقًا!. قبل ذلك لا يمكننا التحدث عنه كعمل فني، أمّا بعد ذلك فلنثرثر كما يحلو لنا!.
ـ وعليه، فإنّ السؤال الأهم: ما الذي يجعل من عمل فنّي ما، عملًا مشوّقًا؟!.
ـ حتى الإجابة عن هذا السؤال، لن تكون سوى ثرثرة، ذلك لأن حقيقة الجواب في جوف اللادراية!. لو كنّا ندري حقًّا، لما كان العمل مشوّقًا أصلًا!. أو على الأقل لما كان مشوّقًا إلى الحدّ الذي يجعل منه عملًا فنيًّا بالنسبة لنا!.
ـ عيب آخر ينضمّ إلى صاحبه، فبالرغم من أن الإجابة عن مثل هذا السؤال ليست سوى ثرثرة، هي أيضًا لا يمكن لها أن تكون شديدة الوضوح!.
ـ في الرواية والفيلم مثلًا: إبقاء النهاية مجهولة حتى آخر لحظة، أمر يمكنه أن يكون مشوّقًا. لكن هذه واحدة من أقل التدابير شأنًا، وأضعفها حيلةً!.
ـ نحن نعرف اليوم أن مدام بوفاري انتحرت، وكذلك فعلَت آنا كارينينا، وأن ياغو أثار كل شكوك الدنيا في رأس عطيل فقتل زوجته!. كما أن أشهر مسلسل عربي بدأ أصلًا بموت "رأفت الهجّان" على سريره في مشهد يؤكد أن المهمّة تمّت بنجاح ساحق!. المعرفة بكل هذه النهايات لم تُنقص من التشويق شيئًا!.
ـ معرفة النهايات إذن قد لا تكون مهمّة أبدًا، والأعمال التي تعتمد على مثل هذه الحيلة اعتمادًا كليًّا، أعمال خُصِّصت من الأساس للاستخدام لمرّة واحدة!.
ـ لنحاول مراقبة أرنب جديد من قبّعة الساحر. أرنب أكثر سمنةً وفرْوًا!. أظن أنني أمسكته من أذنيه: الاستدراج!.
ـ ليست الأحداث ولا خاتمتها إذن، لكنه الاستدراج!. قدرة العمل الفنّي على استدراجي للمتابعة، هذا هو أهم عنصر في العمل الفنّي، لكن أليس الاستدراج درجة من درجات التشويق، درجة عالية جدًّا، لكنها درجة، أي وصف لمدى التشويق وليس مبررًا ولا سببًا في وجوده!. فَلَتَ الأرنب حتى قبل أن نتأكد من حقيقة كونه أرنبًا أم لا!.
ـ كأني سمعت كلمة: الترابط؟!. لا، لا، هذا ليس المكان المناسب لقدومها!. قد يكون الترابط مهمًّا، كما أنه يسمح للأقلّ موهبة من النقّاد، القبض على شيء لامتداحه، أو لفذلكة تشريحيّة بخصوصه!. أمّا أن يكون الترابط سببًا من أسباب التشويق، فهذا ما لا يمكنني هضمه!.
ـ لنتحدّث إذن عن الأسلوب والإيقاع، نعم، أظن أنه مربط الفرس!. لكن هل يقدر من عجز عن اصطياد أرنب على ترويض فرس؟!. سؤال لن أترك له فرصة إيقافي وتخريب ما أريد إتمام قوله!. عليّ فقط أن أُحسّن خطّي!.
ـ ولتحسين الخط، أُفرّق بين الأسلوب وبين الإيقاع بفهمي لكل منهما على حدة، لكن على العمل الفنّي أن يغزلهما غزلًا ويعجنهما عجنًا، ويجعل منهما شيئًا واحدًا، ليضمن التشويق:
ـ الأسلوب هو قدرة الفنّان على تعميق المعنى. على منح الكلمات روحًا!. انبعاث من الداخل إلى الخارج!. من اللامرئي إلى المرئي!
ـ الإيقاع هو قدرة الفنّان على منح شكل و"إطار" لهذا المعنى!. على منح جسد لهذه الروح!. جسد يليق بها!. وهو بذلك انبعاث من الخارج إلى الداخل. عودة بالمرئي إلى اللامرئي!.