|


فهد عافت
أقسى التنظيم.. أقصى الفوضى!
2019-04-17
ـ قلّب أوراقي. توقّف عند سطر، وسألني إن كنتُ، حقًّا، جرّبتُ قراءة كتابين أو ثلاثة كتب في وقت واحد؟!، قلت: كلمة "جرّبت" تشير إلى استثناء ونُدْرة، والحقيقة أنني تصرفت على هذا النحو مرّات عدة، وأحيانًا كنتُ أقرأ أربعة كُتُب أو خمسة في وقت واحد!.
ـ بعض الكتب هي التي توحي لي بذلك، أو على الأقل تسمح به ولا تمنعه، مثلما أنّ كتبًا كثيرة أخرى تفعل العكس!.
ـ أتعامل مع الكتب على أنها ناس، مخلوقات حيّة وعاقلة، بعضها أتواصل معه بشعور يشبه صِلَة الرّحم!. دواوين "أبو تمّام" والمتنبّي و"أبو نواس" مثلًا، وكذلك كتاب الجمال الفلسفي لستولينيز!، مثل هذه الكتب لا أملّ من استعادة قراءتها!.
ـ الكتب، منها ما هو من الأهل، ومنها ما هو زميل أو جار، ومنها ما هو رفيق سفر، ومنها ما هو صديق عمر، ومنها ما هو حبيب، لكن ليس من بينها ما هو عدوّ أبدًا!.
ـ والأكيد أن هناك أسماء ما إن أجد كتابًا جديدًا لها حتى أسرع باقتنائه، وأقدّمه على غيره في القراءة:
ـ كانط، هيوم، هيجل في الفلسفة، رولان بارت ومانجويل في النقد والكتابة الأدبية، جاليانو في سطوره اللاهثة المشحونة بطاقة الحذف والإقصاء!، داهية الدواهي كونديرا في الرواية، وهكذا، مع وجود فوارق واستثناءات:
ـ كانط مثلًا لا يقبل المشاركة مع سواه، بالكاد تقدر على ملاحقة أفكاره وفهمها، ما إن ينقطع استرساله حتى أشعر بالضياع، وأحيانًا بالغربة!. هيوم أعقد قليلًا!. هيجل، بالمقارنة بهم، يسمح بالتقاط الأنفاس!.
ـ كونديرا يتملّكني حتى إنني أحزن لاقتراب الكتاب من نهايته!. إدواردو جاليانو يمكن لك معه قراءة كتاب آخر، فقط متى ما وجدت أنك أكثرت من الحلوى وخفت على نفسك من السّكّر!.
ـ الكتب مثل الناس، أنواع وأجناس، منها ما هو مهم لكنه ثقيل الدم!، ومنها ما هو حرّيف في التّسلية لكن طول مجالسته تُفقدكما معًا الهيبة والوقار!.
ـ ومنها من يصاحبك بحق، ويقترب منك فيصير صديقك فعلًا، صديقك الذي لا تملّ حديثه، وتصير بينكما أسرار تمنع حضور غيركما الجلسة!.
ـ ومنها ما يشبه معرفة طيّبة كريمة، تسعد بحضوره لكنك تعرف سلفًا أنّ ما ستتحدثان عنه وفيه وحوله، لا يمنع حضور معارف وأصحاب آخرين لنفس الجلسة، بل وقد يزيدها إمتاعًا!.
ـ القراءة حريّة!. والحريّة أساليب، خاصةً إذا ما كانت فرديّة، وبما أنها فرديّة فإن الحريّة فيها تكون خالصة، وكل شيء مباح، من أقسى التنظيم إلى أقصى الفوضى!، وهذا أمتع ما فيها!.
ـ لذلك ربما، أكون على أعصابي، حين يدور أحدهم في مكتبتي، ولا أدري ماذا يصيبني عندما أرى أحد كتبي وقد أخرجَتْه يد غريبة من الرف وبدأتْ بتقليبه: خلطة خوف وتوجّس مع ملعقة ونصف من الغيرة!، ومشاعر أخرى لم أستقر لها على وصف!.
ـ ولذلك لا أعير كتابًا قرأته!، يمكنني شراء عشرة نسخ وتقديمها هدية، أمّا الكتاب الذي قرأته فهو كتابي أنا، وبخربشاتي وتخطيطاتي عليه أعتبر نفسي قد أسهمت في كتابته من جديد، صار كتابًا آخر، من تأليف كاتبه ومن تأليفي أيضًا، كتابًا لم يعد قابلًا للنشر!
ـ تقرأ بطريقة أخرى، مغايرة ومختلفة، وتتعارض مع طريقتي ورأيي، هذا ليس فقط حقًّا من حقوقك، بل لعله واجب من واجباتك أيضًا!.