|


أحمد الحامد⁩
هنري فورد أكبر من ثري
2019-06-07
لم أعجب بشخصية صناعية في العصر الحديث كما أعجبت بهنري فورد "1863ـ1947"، الناجحون كثر، ولكن المؤثرين والملهمين للناس قلّة، بدأت موهبة هنري فورد منذ الطفولة عندما كان يصلح أعطال الآلات في مزرعة والده في ميشيجن، وعندما أهداه والده ساعة جيب وهو في سن الحادية عشرة تساءل عن كيفية عمل هذه الساعة، قام بتفكيك كل أجزائها وأعاد تركيبها لتعمل من جديد.
كل الذين نجحوا نجاحاً عصامياً بمرافقة موهبتهم كانت لديهم شجاعة واضحة، وهنري عندما وصل إلى سن الخامسة عشرة اتخذ قراراً حكيماً وشجاعاً بأن يترك المدرسة ويترك العمل في مزرعة والده، حكيماً لأن لديه ما هو أكثر من أن يكون مزارعاً وهي مهنة لم تكن محببة لديه، وشجاعاً لأنه نفذ قراره الذي استنتجه لنفسه.
الكثير منا لديه رؤية سليمة عن أمر ما، لكن ليس لديه الشجاعة في تنفيذ رؤيته أو قراره وهذا هو واحد من الفوارق بين الناس، بين من لديه شجاعة الإقدام دون أن تتضح له كامل الصورة التي سيقبل عليها وبين ذلك الذي يريد أن يرى كل شيء بوضوح قبل أن يتخذ قراره أو أن يقدم عليه، عمل هنري بعد خروجه من المدرسة والمزرعة في ورشة ميكانيك، ثم عمل في شركة العالم أديسون للإنارة كمتدرب، لكنه سرعان ما ترقى إلى مهندس رغم صغر سنه، بعد خمسة عشر عاماً وعندما بلغ الثلاثين صنع أول محرك يعمل بالاحتراق الداخلي ثم تفرغ لصناعة السيارات وأسس مع شركائه شركة دويترويت لصناعة السيارات، ثم خرج من هذه الشراكة سريعاً عندما قرر شركاؤه أخذ قروض بنكية لتمويل الشركة رافضاً هذا القرار بحجة أن هذه القروض البنكية تؤدي إلى استعباد البنوك للمقترضين، لم يفكر فورد بأية خسائر قد يسببها خروجه من دويتريت التي أصبحت كاديلاك لاحقاً، لأنه كان يرى أن الخروج من الشراكة السيئة مربح بحد ذاته.
أسس مباشرة شركة فورد التي حملت اسمه، وقام بإدخال طريقة العمل بخطوط الإنتاج لأول مرة في تاريخ صناعة السيارات، مما أدى إلى وفرة في الإنتاج وتخفيض في التكلفة وزيادة في الأرباح، لم يستغل ذلك في زيادة أرباحه بل خفض ثمن بيع السيارة من 950 دولاراً إلى 280 دولاراً، هذا الكرم حقق له أرباحاً أكثر، فبعد مرور نحو 20 عاماً من تأسيس فورد كانت نصف سيارات الولايات المتحدة وكندا من صناعة فورد، تعامل مع الموظفين والعمال تعاملاً نبيلاً عندما أدخلهم في نسب الأرباح، لكنه كان يضعهم داخل معايير محددة منها عدم شرب الكحول واهتمام الموظف والعامل بأسرته، وأسس من أجل مراقبة ذلك ما بات يعرف بقسم شؤون الموظفين، رحل فورد تاركاً شركته التي ساهمت في رفع الاقتصاد الأمريكي دون أن يقترض يوماً من بنك، وتاركاً محبة موظفيه ومحيطه من الناس، كانت الصناعة لديه أكبر من تحقيق أرباح مالية، أحد أقواله في ذلك توضح فلسفته: "النشاط التجاري الذي لا يحقق سوى المال هو نشاط فقير".