|


فهد عافت
طعم كل شيء!
2019-07-09
ـ من إعلان على إحدى القنوات المصريّة، يقفز بخفة ظل هذا السؤال الطفولي جدًّا والفلسفي جدًّا:
“لمّا كل حاجة لها طعم: يبقى طعم كل حاجة إيه”؟!.
ـ وسواءً كان مبتكر “القفشة” يدري أو لا يدري بعمق السؤال، فذلك لا يقلل من أهميّته ولا ألمعيّته!.
ـ أمّا أن يكون السؤال طفوليًّا وفلسفيًّا في آن، فليس في ذلك أي تناقض أو تضادّ، ذلك أنّ في كل طفل رغبة في البحث والمعرفة، ولأنّه جديد على الدّنيا، فإنّه لا يتورّط بالمُسَلَّمَات من أي نوع وبأي درجة!. وهذه بالضبط أرضية الفلسفة!.
ـ في كل طفل شهوة معرفة سابحة في أوسع مدى للحريّة!. كلنا فيما يبدو نبدأ فلاسفة قبل أن تأخذنا الدّنيا فنكبر ونهجر الطفولة والأسئلة والحريّة!.
ـ نرجع للسؤال: طالما أنّ لكل شيء طعمًا، فما هو يا تُرى طعم كل شيء!.
ـ لعلّ هذه الحكاية تصلح جوابًا، قد لا يكون نهائيًّا بالضرورة، لكنه أحد الاحتمالات الصادمة!.
ـ في يوم من الأيام، طرَأَتْ فكرة على إحدى المجلّات، الباحثة عن أكمل جمال وجه نسائي. في وقتها، قامتْ المجلّة بجمع صُور آخر ملكات الجمال في السنوات العشر الأخيرة، بعد ذلك تم أخذ أجمل عيون على حِدَة، وأجمل شفاه على حِدَة، وكذلك أجمل أنف وأجمل استدارة وجه، وأجمل شَعر، و..!.
ـ وهكذا تم أخذ الجزء الأكثر جمالًا من كل واحدة، وتمّ تجميع كل ذلك وتركيبه على وجه افتراضي واحد. جاءت النتيجة صادمة: لم يكن الوجه جميلًا، وقد يكون الأقل حُسنًا من بين جميع الوجوه السابقة!.
ـ حسنًا، والآن: ما الذي يمكن لنا أنْ نلقاه فيما لو فكّرنا بمسألة الفنون والآداب انطلاقًا من نفس السؤال؟!.
ـ أظنّ أنّ أوّل ما يتكشّف لنا هو ذلك الفرق الجوهري الذي يؤكد أهميّة الفن والأدب، والمُتمثّل بقدرة الانتقاء وضرورته!. الفنّ ينتقي، وهو بذلك يفصل جزءًا ما عن بقية أجزاء الطبيعة، ولذلك فإنه لا يمكن لعملٍ ما أن يكون أدبيًّا أو فنيًّا ما لَم يؤطَّر!.
ـ ومن خلال انتقاء “شيء” أو مجموعة أشياء، من “الكُلّيّ”، تتمّ عمليّة شحن هذا الجزئي المقطوع بما هو كُلّي وموصول، وهي فيما يبدو الطريقة الأفضل، وربما الوحيدة الممكنة، لاستيعاب الكُلّي وفهمه وإدراكه ومعايشته!. تُسمّى هذه العمليّة: الإيحاء!.
ـ الأمر الآخر المهمّ في هذا الشأن، وبالاستفادة من قَرْصَة الأُذُن المتحققة في حكاية ملكات الجمال، فإنه يمكن كتابة هذا التحذير وبالخط العريض:
ـ حاذر أيّها الفنّان، من محاولة استرضاء كل الأذواق!.
ـ حاذِر من تقصّد استيفاء كافة شروط النقد ومذاهب الفنون والآداب، ومن مراقبة نفسك ومحاسبتها وتصحيح مسارها كلّما حادَتْ أو قَصّرَتْ، ففي مثل هذا الوفاء الكامل خيانة للفنّ نفسه!.
ـ ونعم: في كل فنّ خيانة ما، لكنها أولًا خيانة مُبجّلة، ولكنها ثانيًا: خيانة لأي شيء إلا الفنّ ذاته!.