|


فهد عافت
رسالة من «شايبكم» الشاب!
2019-07-21
بعض الشباب، ممّن هم دون الخامسة والعشرين فيما أظن، يشاكسونني أحيانًا بالتّهكّم على كِبَر سِنّي!.
ـ حين أكتب متغزّلًا بالحياة وبالطبيعة والجمال، وبالتأكيد حين أتفاعل بحماس مع كرة القدم، يكتبون: "يا الشّايب"!.
ـ تمازحني نفسي، ولا بأس فيما لو أُضيفت نقطة كخطأ مطبعي فصارت تُمازجني!، وتقول لي: لا عليك، ما زلتَ في عزّ الشباب لأسباب كثيرة، منها هذا الوصف حين يُعرض كتُهمة!، ذلك أنّه لا يمكن أن يُرْمَى أحد بمثل هذه الكلمة بقصد الازدراء، ما لم تكن نظرة الرّائي الرّامي تشهد بغيابها، أو تتشكك فيه!.
ـ أقبل ممازحة نفسي لي، وبها أعمل على تطرية ما اخشوشن من بقية الجملة المتضمنّة للنداء المزدري "يا الشايب"!. وأستمر..
ـ لا أُنكر كِبَر سنّي، وأدري أنّه إلى المَشيب أقرب منه إلى الشباب، وأنّه بينهما، يضع يدًا بيد هذا ويدًا بيد ذاك ويرقص!. يرقص ممتنًّا لله تعالى على فيض نِعَمِه وعلى هذا الشعور الغامر بالسعادة والطمأنينة والأمل وحب الحياة والرّجاء برحمته تعالى في الدنيا والآخرة!.
ـ يقول لكم شايبكم الشاب يا أحبة: لقد عشت حياةً صاخبةً متقلّبة الأحداث والأمزجة والآراء والتّطلّعات وأشياء كثيرة أُخرى!. وما زلتُ أشعر أنني في عزّ الشباب والحمد لله، أشعر بذلك لأسباب كثيرة، أسجّل هنا بعضًا منها:
ـ يصعب، ما لم يكن يستحيل، على من لديه أبوان على قيد الحياة، أن يشعر بالمشيب!.
ـ والأمر بالنسبة لي أكثر خصوصيّة: رحل أبي قبل أن أرى وجهه، قبل أن أتمكن من الركض نحوه بخطوات متعثّرة، قبل أن أعرف ما هو حضن الأب وما حنانه ورائحة دفئه!.
ـ أظنّ أنّ هذا جعل جزءًا مني يشيب منذ الطفولة بشكل أو بآخَر!.
ـ ومن مزايا هذا المَشيب المبكّر أنّ صاحبه لا يشعر بغربة من أي نوع حين يجد نفسه في المَشيب الحقيقي، هو حين يلتقي به إنما يلتقي بصاحبٍ قديم لم يفارقه أبدًا!. ما فرق ذلك عن الطفولة وعن الشباب؟!.. لا شيء.. لأنني لا أدري!.
ـ وأبقَتْ لي الحياة، بفضل من العظيم عظيم، أمّي. وهي ولله الحمد تتمتّع بصحة جيّدة، وبروح مرحة، ثم إنني أصغر أخوتي، ومن حسن الحظ انعدام إمكانيّة التسابق في هذا الأمر: لا يمكن لأصغر الثلاثة إلّا أن يظل أصغرهم!.
ـ أعتقد أنّ من يُنعم الله عليه بوجود أمّه، ثم يشعر بالمشيب، أو يُشعرها بذلك، فقد قصّر في حقّها!. قدْر استطاعته عليه ألا يفعل!.
ـ الأمر الآخر في خصوصيّة الشّباب لديّ، هو أنني أب لأطفال صغار!. لحقت قطْر الزواج قبل الأربعين بقليل، وفي الوقت الذي صار على أصدقائي ومن هم في سنّي متابعة و" مُتاعَبة" ومعاتبة الحياة مع أبنائهم الشباب، أو ربما أحفادهم، صار عليّ أن أعيش وأُجرّب حياة من لديه صغار، يلاعبهم، يراقبهم، يذاكر لهم، ويواجه أسئلتهم الحرّة!.
ـ سبب آخر للشباب: القراءة!. نعم يا أحبتي، القراءة ليست هواية عاديّة، إنها واحدة من نِعَم الله الكُبرى، خاصةً حين يتعلّق الأمر بتجدّد الشباب وديمومته!.
ـ بقِيَتْ كلمة: أنت يا من ترى في المشيب تهمةً وعيبًا، ألا تتمنى حياةً تدوم ما قدّر لها الله أن تدوم بصحة ونجاح وسعادة؟!. الحمد لله: إنك تزدريني بما تتمناه لنفسك!.