|


أحمد الحامد⁩
وعود صنعت أصحابها
2019-07-25
الشنفرة، شاعر وعدّاء وشجاع، هذه صفات لا تكفي لبناء اسم مثل الشنفرة، يحتاج إلى حدث طويل أو مواقف تساهم في فرزه عن من يمتلكون نفس مواهبه، إلى صفة تدفعه رغماً عنه ومهما كلفت إلى ما يدفع اسمه لأن يصبح علماً.
مهما كانت صفات هذا العلم، لكنه علم، خطب فتاة فقال له والدها إنه يخشى إن زوّجه إياها أن ينتقم منه أبناء عمومتها، قال الشنفرة: زوجني إياها وإن قتلوك سأقتل منهم مئة رجل!، ما هذا الوعد يا شنفرة... مئة رجل.. ولوحدك؟! كيف سمحت لك نفسك بأن تطلق هذا الوعد المنتحر!؟ وقد كان!، أساس شهرة الشنفرة في شخصيته الموفية للوعد، وفي طريق إيفائه لوعده حدثت الأحداث وكتبت القصص التي يذكر بها اسمه وتجل لها لاميته، ليس لجمالها فقط بل للصورة الرمزية لقائلها، عن رجل قطع وعداً لا يقطع فأوفى بوعده!
عنتر بن شداد، اعترف به والده كواحد من أبنائه بعد أن تنكر له بسبب لونه الأسود، وبعد سنوات من العبودية، كان اعتراف والده لحاجة القبيلة إلى سيف عنتر الذي لا يجابه، في زمن كان الغزو هو مصدر دخل القبيلة الرئيس، وكان غزو القبائل المهاجمة هو سبب إفلاس القبيلة أيضًا، كان عدد السيوف الصارمة في القبيلة هو مؤشر اقتصادها، أما سيف عنتر كان يعادل ميزانية قبيلة كاملة، أحب ابنة عمه، رفض عمه مالك أن يزوجه إياها خشية أن يعايره الناس بأنه زوّج ابنته لعبد، عنتر وإن حصل على حريته واعتراف والده بأبوته، إلا أنه لم يحصل عليها في باطن فكر أبناء القبيلة، كان اعتراف مصلحة لا اعتراف حق، أرسل عنتر أبرز وجوه القبيلة إلى عمه مالك الذي رأى أن أفضل طريقة لإبعاد عنتر عن ابنته هو أن يطلب اللامستطاع، ألف ناقة من "العصافير" مهراً لعبلة، والعصافير هي نياق النعمان ملك الحيرة، وافق عنتر على المهر وقطع وعداً بأن يحضر العصافير، ألفاً من العصافير يا عنتر!؟ وممن؟ عصافير النعمان؟ ولوحدك تغزوه؟ كان وعد عنتر انتحاراً حسابياً، لكنه من جهة أخرى كان الانطلاقة الحقيقية للأحداث التي صنعت شخصيته وللصورة التي أصبح عليها، كان وعده بداية الإعلان عن انطلاق أسطورته، وخروجاً من إطار القبيلة إلى فضاء الجزيرة العربية وما جاورها، السعي للإيفاء بالوعود لا يعني حتمية تنفيذها خصوصاً تلك الكبيرة منها، لكن السعي الحقيقي للإيفاء بها هو تنفيذ لها وإن لم تتحقق.