|


فهد عافت
هديّة اللغة!
2019-08-03
قرأت كثيرًا عن اللغة، الكلام، الكتابة، مدائح ياما، وتمجيد حماسيّ الهوى ياما، وعقلانيّات ياما، كلّها في ناحية، وسطر واحد لمانغويل في ناحية!.
ـ وعلى بساطتها ووضوحها ترجح كفّة مانغويل وتنجح كلمات سطره في كسب المرافعة الأعظم: "تبادل الحديث هو السبب في أنّ الأموات لم يخسروا هديّة اللغة"!.
ـ عرف الإنسان أوّل ما عرف: ضآلة حجمه في هذا الكون الفسيح!. وبسرعة فائقة رافقتْ معرفة أخرى هذه المعرفة، فقد تأكّد من حتميّة فنائه، وأنّه مهما طال به العمر فإنه لا يكاد يُذكر متى ما قارنه بامتداد الزمان!.
ـ أحبّ الإنسان، وقرر، الامتداد عبر المكان، الأمر الذي أخذ اسم الهيمنة، والامتداد عبر الزمان، الأمر الذي أخذ اسم الخلود!.
ـ استخدم أسلحة كثيرة. للهيمنة استخدم الحديد والمال والسياسة، لكنه عرف، حتّى إن أنكر، أنّ العِلم هو السلاح الأنجع للهيمنة على المكان!.
ـ واستخدم أسلحة كثيرة، وركب مراكب من كل نوع، رغبةً في الخلود، وكان التكاثر أشهر هذه المراكب!. لكن الأشهر ليس الأنجع بالضرورة. وما إن عرف الإنسان الكتابة حتى عرف أنها الأقوى من بين كل أسلحته في هذا الشأن!. وأنّ الآداب والفنون هي القوى الظّافرة!.
ـ من يكتب لا يموت!. أو على الأقل فإنّ إمكانيّة بقائه حيًّا، بأفكاره وبمشاعره وبتأمّلاته، بطيشه وبحكمته، تظل وافرة النّصيب متى ما خطّ جملةً أو كتب كتابًا!.
ـ محاولة التّحنيط التي حاول من خلالها الإنسان حفظ جسده، لم تُجد نفعًا، وبسرعة عرف أنها لعبة خاسرة، يلزمها الكثير من الكذب المدفوع بقوّة دينيّة، لإنكار نتيجتها!.
ـ أسوأ وأنجح عمليّات التّحنيط فشلتْ في تحقيق الغايات منها. الجسد للفناء لا محالة!. أقر الإنسان بذلك. هجر التحنيط وجرّب التخطيط!.
ـ التخطيط..، وما إن فعل ذلك حتى اكتشف إمكانية واسعة وحقيقية وجديرة بالاحترام، لبقاء مشاعره وأفكاره وحكاياته حيّةً متّقدة لأزمنة لا يقدر على الرجوع إليها ولا على الوصول إليها!.
ـ وفي هذا الشأن، اكتشف الإنسان كم هي قوّة الاستعارة والمَجَاز عظيمة!. كلّما نجح في ارتكاب المَجَازات، تضاعفت فُرص الهيمنة على المكان والخلود في الزمان أكثر وأكثر!.
ـ نقرأ اليوم للمتنبّي والفارابي والجاحظ وابن خلدون وابن زيدون وابن من يكون!..، فيتجدد وجودهم، ونُقرّ بحقيقة تأثيرهم فينا وعلينا، وعبر القراءة نؤثِّر نحن فيهم أيضًا فيتأثّرون دليلًا على أنهم أحياء بالفعل!. لم يخسروا هديّة اللغة!.