|


طلال الحمود
أمير الحج
2019-08-10
تفاجأ الحجاج والمعتمرون خلال العام الحالي بتدشين قطار الحرمين الرابط بين مكة والمدينة، وحرص أكثرهم على توثيق تجربته من خلال حسابات التواصل الاجتماعي، بعدما أصبح التنقل بين المدينتين يستغرق ثلاث ساعات على متن أحدث القطارات وأسرعها في العالم، واستعاد بعض الحجاج ذكريات التنقل قديمًا ومعاناة السفر في السيارات والحافلات، بينما أورد بعضهم ما دوّنه الرحالة قبل نحو مئتي عام عن هذه الطريق وخطورتها.
الطريق إلى الحج عرفت تحولات كبيرة منذ القرن السابع وحتى القرن العشرين، بعدما أصبح الحجاج غنيمة سنوية لقطاع الطرق، وعرضة للنهب والقتل، ما قاد علماء الأندلس إلى إصدار فتوى بإسقاط فريضة الحج، صوناً للدم وحفظاً للنفس، وما أدى أيضاً إلى إطلاق فكرة "أمير الحج" الذي يتولى قيادة قافلة تحميها قوة عسكرية تؤمن تحركاتها ذهاباً وإياباً، علماً أن قافلة أمير الحج لم تسلم من الأذى، بعدما قامت عصابات مسلحة خلال القرن الثامن عشر بقتل نحو 20 ألف حاج شامي بالقرب من تبوك.
لم تفكر الإمبراطوريات الإسلامية المتوالية في حماية طريق الحجاج، خشية الأعباء المالية وجهلاً بالتركيبة الاجتماعية في الجزيرة العربية، ما جعل القائد صلاح الدين الأيوبي يكتفي بإرسال المال والمعونات الغذائية لأمير مكة من أجل تحسين معاملة الحجاج ورفع المكس عنهم، ولم يتغير الحال في عهد الدولة العثمانية بعدما دخلت في حرب ضروس مع سكان الجزيرة العربية، دون أن تضع في حساباتها نشر الجنود وتأمين الطريق إلى الديار المقدسة، مكتفية بدفع المال للعشائر من أجل تنفيذ هذه المهمة التي غالباً ما تنتهي بمواجهة بين الحاكم العثماني وأبناء العشيرة.
بعد سلسلة من الحوادث التي استهدفت الحجاج في القرن الماضي، أصبح الملك عبد العزيز أول قائد يفكر ببسط الأمن في الديار المقدسة، وبرغم الإمكانات الاقتصادية والعسكرية المحدودة، وتحذيرات بعض المستشارين من صعوبة المهمة وتكاليفها الباهظة، إلا أن الملك قرر الدخول إلى الحجاز لتغيير الوضع القائم، معتمدًا على سمعته في الجزيرة العربية، وقدرته على إقناع الأعيان وزعماء القبائل بمشروعه الهادف إلى إنهاء حال الفوضى والتصدي لعمليات السلب والقتل، قبل أن ينجح الملك في تنفيذ مشروع عجز عن تنفيذه عشرات السلاطين في التاريخ الإسلامي.
تحوّل مسمى "أمير الحج" لاحقًا إلى "رئيس بعثة الحج"، وأصبح الوصول إلى مكة بمثابة سياحة في أكثر الأماكن أمنًا، وهذه حقيقة يدركها الحاج للوهلة الأولى، ويتجاهلها من جاء إلى "منى وعرفات" بأمنيات العودة إلى عهد الفوضى.