|


أحمد الحامد⁩
الربيع العربي رحمه الله
2019-08-16
أكثر أخطاء الإنسان يرتكبها في خياله أولًا، عندما يتخيل واقعًا معينًا عن فكرة ما أو مكان أو إنسان، ثم عندما يخوض غمار التجربة يصطدم بالواقع الحقيقي الذي لا يشبه خياله، الفكرة التي تشكلها مسبقًا عن أمر ما هي من خدعتك، لكنك أنت صانعها من الأساس، في الحقيقة أنت لم تخدع نفسك، بل لم تتعرف على الشيء في واقعه الحقيقي، سبقت الواقع الحقيقي بما تخيلته على أنه سيكون الواقع.
ـ أصحاب الشعارات من الأحزاب مثلًا ينوبون عنك في هذه المهمة، من خلال شعاراتهم يحرضونك على بناء خيال مبني من تلك الشعارات الحالمة، حرية عدالة مساواة، وبإمكانك أن تضيف لها ما شئت من كلمات نبيلة، تصبح أنت ضمن تيار مؤيد ومناصر، أنت حاليًا في مرحلة الخيال..، وإذا ما وصل الحزب إلى السلطة واحتفلت راقصًا بالشوارع وناعيًا كل زملائك الذين سقطوا من أجل الثورة.. سقط خيالك أيضًا على أرض الواقع، الواقع لا يتبدل بالكلمات إلى الأفضل.. الواقع يشبه محيطه وأنت واحد ممن شكل هذا المحيط، وإن لم تكن فالأكثرية هي من شكلته، أنت ومن حولك تشبهون وتستحقون واقع حياتكم.
ـ مسمى الربيع العربي جزء مما تم دفعه من كميات خيالية، الربيع.. خضرة وورود وصحة ونشاط وشوارع نظيفة تصطف الأشجار في جوانبها.. حركة المرور انسيابية.. أنت تركب سيارتك ذاهب إلى مدرسة ابنك الأكاديمية.. أنت مواطن صالح جدًّا.. هل أنت مواطن صالح؟ تذّكر.. تذكر جيدًا.. حسنًا.. توقف وعد إلى الواقع لأنني أريدك.
ـ لم تقم ثورة في كل دول أوروبا الغربية منذ مئة عام على أقل تقدير، بينما عجنت شعوب عربية أيامها بالثورات، كل ما تمضي الأيام يزداد الترحم على ما مضى، من واقع سيئ إلى أسوأ، وفي كل ثورة يشارك بها المتخيل يصطدم بالواقع، الحياة لا تتطور بانقلاب، ولا تتحسن الأحوال بالثورات، من هناك.. من تلك المباني التي تسمى مدارس وجامعات، ومن تلك الأماكن التي تسمع بها صوت الآلة.. تتطور البلدان..، من سلوكك في شارعك الصغير ومن أدائك لمهام وظيفتك بكل أمانة، لماذا تتم المطالبة بأن تلحق بلدان الثورات بتطور الدول الغربية طالما أن الإنسان هناك مختلف، هل عرفت لماذا ولد ميتًا ما سمي بالربيع العربي؟.. رحمه الله.